كانت الساعة تقترب من الفجر، والسيارات على الطريق بين سار وشارع الشيخ خليفة بن سلمان تمرّ متفرّقة، كما هو حال كل يوم.لكن تلك العائلة، التي خرجت في مركبتها لم تعلم أن هناك من قرر أن يعبر من مساره إلى المسار المعاكس، بسرعة لا تحتمل، بتجاوز لا يُغتفر.لحظة واحدة.. كانت كفيلة بأن تُطفئ بيتاً، وتُربك حياة ثلاثة أطفال، وتترك خلفها حسرةً لن تشفى.في الأيام التالية، انتشر مقطعان في وسائل التواصل الاجتماعي، لم تكن تمثيلاً درامياً أو مشاهد فيلم من أفلام السرعة، كانت المقاطع تسجيلاً حقيقياً لسائقَين يسيران بعكس اتجاه السير في شارعين رئيسيين، أحدهما على شارع الميثاق بمنطقة سند، والآخر في شارع عام بدا وكأن من فيه لا يُبالي لا بإشارات ولا بأرواح.القبض عليهما تمّ لاحقاً، وتبيّن أن أحد السائقَين كان تحت تأثير المخدرات، في حالة غير طبيعية، كما ورد في بيان المرور.هذا الانحراف السلوكي جرس إنذار صريح: هناك تهاون وعبث بات يتسلّل إلى الشوارع، ويهدّد النظام المروري في بلدٍ اشتهر، تاريخياً، بانضباطه واحترامه للقانون.ما يحدث اليوم، لم يكن يوماً من شيم البحرين، ولا من طباع أهلها الذين كانوا مضرب مثل في النظام والالتزام، فالسبب الرئيسي للحوادث وخاصة المميتة منها هي المسكرات والمخدرات، ولكن لا يكفي اليوم أن نُكرّر: «احذروا المخدرات».فما عاد شكلها كما كان، ولا طرق تعاطيها كما عرفناها، فالجيل الجديد يواجه أشكالًا مستحدثة من السموم، لا تُكتشف بسهولة، ولا يشعر بها إلا حين تسقط الضحية.وإن بقيت الرسائل التوعوية على حالها، دون تجديد في الوسيلة والمضمون، فسنخسر جولةً أخرى، فالوعي في زمن التكنولوجيا والشبكات المعقدة لا يُبنى بخطابات تقليدية، إنما يبنى بإعلام جديد يُحاكي عقل المراهق، ويعرف كيف يخاطب الشاب بلغة لا يهرب منها، بأساليب يألفها، يتعامل معها يومياً، برسائل بلغتهم لا بلغة الأجيال التي سبقته.نحن اليوم في حاجة ماسّة إلى شراكة حقيقية بين المرور، والتعليم، والإعلام، والمجتمع، من أجل إعادة صياغة الرسائل التوعوية لتواكب التحوّلات السريعة في سلوكيات السائقين والمخاطر الجديدة على الطرقات.ولعل ما يُتداول مؤخراً في وسائل التواصل الاجتماعي من مقاطع ساخرة تُظهر الفنانة سعاد عبدالله وهي ترتجف خوفاً، وقد أُرفقت بتعليق: «عندما تخرج من البيت هالأيام»، يعكس شعوراً عاماً بانعدام الأمان في الشارع، حتى ولو جاء في قالب هزلي.لذلك، فإن مسؤولية هذه الشراكة ليست إعلامية فقط، بل ثقافية وتربوية وأمنية، هدفها أن تُعيد للشوارع طمأنينتها، وأن تكون مساحة آمنة لحياة الناس، لا ساحة للمغامرة والتهوّر.ولهذا، فإن من الضروري تفعيل الدوريات المدنية في المناطق السياحية والمرافق الليلية للرصد الاستباقي، والتدخل قبل أن يتحوّل السُكر إلى جريمة مرورية يكون ضحيتها أناس أبرياء.وفي ظل تحوّل المخدرات إلى أشكال لا تُرى ولا تُشمّ، تزداد مسؤولية الآباء، فيجب عليهم الحرص والتدقيق ومراقبة سلوك أبنائهم، فالتربية اليوم لا تحرس الأجساد فقط، إنما هي تحرس الإدراك، وتحرس الوعي.. من أن يُختطف في لحظة، ويقود إلى طريق بلا عودة.