بين مشاعر الإيمان وسكينة المناسك، وبين حرارة الصيف والتحدّيات الميدانيّة؛ تكتب المملكة العربيّة السعوديّة في كلّ موسم حجّ قصّة جديدة من قصص النجاح، وتقدّم للعالم أجمع نموذجاً يحتذى في إدارة الحشود، وتكريس الجهود لخدمة الإنسان، وتحقيق رسالتها الدينيّة والوطنيّة في رعاية ضيوف الرحمن. وموسم حجّ هذا العام 1446هـ - 2025م لم يكن استثناء؛ بل كان صفحة مشرقة جديدة تضاف إلى سجلّ المملكة العربيّة السعوديّة الحافل في خدمة الحجيج، تنظيماً، وأماناً، وابتكاراً.

منذ عهد الملك السعودي المؤسّس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيّب اللّه ثراه، وحتّى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية حفظه الله ورعاه، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، كانت رؤية الدولة السعوديّة واضحة: الحجّ ليس مناسبة موسميّة؛ بل رسالة حضاريّة، وخدمة ضيوف الرحمن ليست مهمّة إداريّة؛ بل شرف لا يُضاهى. هذه القناعة الراسخة، دعمتها رؤية السعوديّة 2030، الّتي وضعت جودة الحياة وخدمة الحجيج ضمن أولويّاتها الاستراتيجيّة، فكان أن شهد هذا الموسم نقلة نوعيّة في جميع المستويات: من التنظيم الذكيّ، إلى الجاهزيّة الصحّيّة، إلى التكامل التقنيّ باستخدام أنظمة تقنيّات الاستشعار عن بُعد وطائرات مسّيرة لمراقبة التجمّعات وتحليل البيانات حراريًّا، ورصد الكثّافة البشرية وأي طارئ صحي، مما سهّل اتّخاذ القرار لحظة بلحظة. كذلك قطارات المشاعر شهدت توسّعاً غير مسبوق في طاقتها التشغيليّة؛ ما مكّن أكثر من 1.6 مليون حاج من 171 جنسيّة من التنقّل بسلاسة وأمان، دون تسجيل حوادث تذكر، في مشهد يبرز عمق الاستثمار في البنية التحتيّة وتكاملها مع الحلول الرقميّة الحديثة.

كما أنّ منظومة العمل الجماعيّة أثبتت أنّ التنسيق بين الأجهزة هو مفتاح النجاح الحقيقيّ، حيث تضافرت جهود الأمن والصحّة والبلديّات والإرشاد الدينيّ والنقل والاتّصالات، في أداء متناغم عزّز من ثقة الحجّاج، وحقّق نسبة رضا تجاوزت 90%، بحسب ما أعلنته الجهات المشرّفة. وكان من الملفت هذا العام أنّ نسبة الامتثال للخدمات والمعايير الرقابيّة تجاوزت 97%، هذه الأرقام جاءت نتيجة تخطيط دقيق بدأ مبكّرًا، وأشرف عليه وليّ العهد السعوديّ بنفسه؛ في دلالة رمزيّة تعكس التزام القيادة السعوديّة بالميدان لا بالمكاتب، وبالاقتراب من ضيوف الرحمن لا الاكتفاء بالتوجيهات.

كذلك روحانيّة المشهد لم تكن منفصلة عن براعة التنظيم؛ بل اندمجت معه في تناغم جعل كلّ حاجّ يشعر أنّه في ضيافة كريمة تتفوّق على كلّ وصف. فقد وفّرت المملكة بيئة إيمانيّة مفعمة بالطمأنينة، وأرشدت الحجيج بلغاتهم المختلفة، وقدّمت تسهيلات جعلت من أداء المناسك تجربة روحانيّة وإنسانيّة فريدة من نوعها.

ومع اختتام المناسك، أعلنت القيادة السعوديّة بدء الاستعداد المبكّر لموسم حجّ 1447هـ - 2026م، في تأكيد جديد على أنّ النجاح ليس نهاية؛ بل محطّة انطلاق إلى مزيد من التميّز والابتكار، لتستفيد من كلّ تجربة، وتبني عليها لتطوير الممارسة وتحقيق الكفاءة، ضمن إطار رؤية شاملة تنظر إلى الحجّ بوصفه مهمّة عالميّة مقدّسة ذات أبعاد دينيّة، حضاريّة، وإنسانيّة.

اللّهمّ اجعل حجّهم مبروراً، وسعيهم مشكوراً، واجزِ المملكة العربيّة السعوديّة خير الجزاء عن هذه الرسالة الخالدة الّتي تقوم بها منذ قرون، وستواصلها بإذن اللّه، بعزم لا يلين، وإيمان لا ينطفئ.