سأل أحد التلاميذ أستاذه قائلاً: لنفترض لو أن رجلاً يجر خلفه عنزاً، وخلف العنز يسير رجل آخر، فخرجت بعرة من العنز، وأصابت الرجل الثاني فقتلته، من المسؤول عن مقتل الرجل؟ فكان رد أستاذه طريفاً عندما قال له: ومن أين لي بعنز ترمي المنجنيق!
صدر هذا السؤال في العصر الذهبي الذي مر به العالم أيام الدولة العباسية، ذلك العصر الذي تميز بثرائه الفكري والعلمي والأدبي، الذي أنتجه أسلافنا، حتى عرف ذلك العصر، بعصر الترف الفكري، وبقراءة سريعة لمجريات الأحداث العلمية والفكرية في تلك الفترة نجد أن محرك ذلك الترف الفكري هو السؤال، حتى وصل الحال بطلبة العلم التفنن في طرح الأسئلة الافتراضية، ومنها ذلك السؤال الذي يصفه العلماء بالتنطع، فهو غير واقعي، ومع ذلك صدر من طالب علم، لأنه يعلم جيداً أن السؤال هو سبب المعرفة، لكن شيئاً فشيئاً ومع تغير الأوضاع السياسية في البلاد بعد تلك المرحلة تحول السؤال من فضيلة إلى جريمة، أو تهمة وشبهة، وثقافة السؤال انحسرت بشكل كبير جداً، بل أصبحت الثقافة إياك أن تسأل حتى انتقلت إلى التربية، فبمجرد أن يوجه الطفل سؤالاً إلى أبيه أو أمه، حتى يأتيه رد من نوع «ليش تتدخل» و«مو شغلك» و«احنا ما لنا علاقة» وأصبح «لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم» تطبق في غير محلها، فظهرت أجيال منا تعتبر السؤال مفتاح الشرور والمصائب، وحتى لو تجرأ أحد، ووجه سؤالاً أو أكثر سيجد إجابات من نوع «هكذا أراد ربك» أو «هذا قدر» أو «هذه مؤامرات عالمية أكبر منا» وإذا أصر على السؤال سيقال له: «أنت سلبي» أو «محبط لمن حولك» والنتيجة أن أكثرنا تأدب وفضل العيش بسلام الجهل على إزعاجات المعرفة، ومع مرور قرون من الزمن أصبحت حضارتنا تاريخاً يتندر به في المجالس لسرد ماضٍ جميل، في الوقت الذي انطلق فيه من كان يعيش «العصور المظلمة» في الوقت الذي كنا فيه في العصر الذهبي، حيث قادته ماذا وكيف ولماذا إلى الفضاء، وإلى تقديم اختراعات غيرت واقع البشرية.
كلنا يطالب بالتقدم ويتمنى الازدهار، بينما لا يجرؤ على تقديم الأسئلة التي تقود إليه، السؤال هو الشرارة الأولى لأي تقدم واكتشاف واختراع وحل، ثقافة السؤال ليست ترفاً فكرياً إنما هي ضرورة بدونها لن نتقدم خطوة، وبدون السؤال سيبقى تعليمنا عبارة عن نادٍ للنسخ واللصق، اسأل فالسؤال مفتاح العلم.