- النصائح وحدها لا تكفي لتجنيبنا الضرر، فغالباً ما تُحتّم علينا الحياة أن نخوض التجربة بأنفسنا لنصل إلى البرهان، أياً كانت نتيجته، سواء أصبنا أم أخطأنا. على الصعيد الشخصي، لا يمكنني أن أُصدر حكماً نهائياً على شيء دون أن أجربه، فربما يكون فيه نفع لم أكن أتوقعه، أو خسارة تمنحني درساً لا يُنسى. تلك هي الحياة؛ لا يمكننا التنبؤ بمسارات الأمور دون خوضها فعلياً. ففي أحيان كثيرة، لا تفي النصيحة وحدها بالغرض، ونرى في التجربة طريقاً وحيداً للفهم، حتى وإن كانت نهايتها خسارة، يكفينا منها شرف المحاولة.
- العالم من حولنا مليء بالتفاصيل والتشابكات التي لا يمكن إدراكها بالحدس أو السمع أو النظر فقط، بل بخوض التجربة نفسها. فوضوح الرؤية لا يأتي إلا من عمق التجربة، وهذه الرحلة تتطلب منا جرأة، وإرادةً، وصبراً. ليست كل التجارب تمنح نتائج فورية، فبعضها يحتاج إلى وقت، وربما إلى إخفاقات متتالية، قبل أن نصل إلى الإجابة المنشودة. لذلك، لابد من التحلّي بالصبر والثقة، حتى تكتمل ملامح التجربة بوضوح.
- ومن ناحية أخرى، هناك من يكتفي بمراقبة تجارب الآخرين، ويقيس على أساسها قراراته الخاصة. وفي بعض الحالات، تكون هذه الطريقة مجدية، إلا أنها لا تُغني عن خوض التجربة الشخصية، فظروف الناس ونتائجهم ليست دائماً قابلة للتكرار أو النسخ. التجربة الذاتية تصنع البرهان الأكثر صدقاً وواقعية.
- ولولا التجربة، لما تمكّن العلماء والباحثون في المختبرات من اكتشاف علاجات الأمراض المختلفة. فكل علاج هو ثمرة لسلسلة من التجارب، بعضها يفشل، وبعضها ينجح بعد محاولات عدة. وكل نتيجة نهائية هي برهان قائم بذاته، تشكّل بعد مراحل من المحاولة والخطأ، وليس من خلال الافتراض أو المشاهدة فقط.
- كتبت في أحد مقالاتي السابقة تحت عنوان «الظرف المغلق»، وأجد أن الرابط بين ذلك المقال وهذا المقال يكمن في فكرة «المجهول الذي لا يُكشف إلا بالتجربة». لا يمكننا إصدار أحكام عادلة على شيء لا نعلمه إلا إذا خضنا تجربته. والخبرة، مع الوقت، تختصر علينا نصف الطريق، وتكون بمثابة دليل نستند إليه لتفسير النتائج المحتملة.
- ولا ينبغي أن نقصر مفهوم «التجربة خير برهان» على المواقف والأحداث فقط، بل يجب أن يشمل الأشخاص أيضاً، فليست كل الحقائق تنكشف من الظروف الخارجية وحدها، بل كثير منها يُختزن في داخل الإنسان نفسه. والحقيقة كثيراً ما تكون حاضرة في التجربة، أكثر من أي مصدر آخر.