تخيّل معي أنك تستيقظ صباحاً في بيتك الهادئ في سار أو الرفاع، وتقرر أن تبدأ يومك بتصفح هاتفك على غير المعتاد (وكأنك لا تفعلها كل يوم!). يظهر أمامك فجأة خبر عن زيارة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لأمريكا، واتفاقيات تقنية ضخمة تتحدث عن كابل بحري جديد وطائرات حديثة، وحتى طاقة نووية سلمية. قد ترفع حاجبيك قليلاً وتسأل نفسك بسخريةٍ خفيفة: «كابل بحري جديد؟ هل انتهت صلاحية الكابلات السابقة أم أن السمك قرر فجأة متابعة قناة البحرين؟».

لكن مهلاً، خلف هذه العناوين التقنية الكبيرة، هناك حياة بسيطة كحياتي وحياتك، حياة قد تتغير بفضل مثل هذه الاتفاقيات. مثلاً، ربما لن نضطر بعد الآن إلى انتظار دقائق، حتى تفتح الصفحة الأولى من موقع «أمازون» أو «طلبات»، لأن الكابل البحري الجديد سيجعل الإنترنت سريعاً لدرجة أنك ستشتري ما لا تحتاجه بشكل أسرع وأقل إحساساً بالذنب!

وبالحديث عن السرعة، لا يمكنني تجاهل خبر شراء طائرات بوينغ الحديثة، الأمر الذي يعني أن رحلتك القادمة إلى نيويورك ستكون أسرع وأكثر راحة. المشكلة الوحيدة أن هذه الراحة قد تجعلك تنام عميقاً، وتستيقظ لتجد نفسك قد وصلت، وربما تكون قد فوّت وجبة الغداء التي يتباهى بها طيران الخليج دائماً، تخيل معي أن هذه الطائرات مزودة بأحدث تقنيات الاتصال والتسلية؛ يعني باختصار، صار بإمكانك متابعة حلقة جديدة من مسلسلك المفضل فوق المحيط الأطلسي دون تقطيع، أو ربما الاستماع إلى «بودكاست» بحريني ساخر يذكرك بطوابير شارع البديع في عز الذروة!

والأهم من ذلك كله، الاتفاقية مع شركة سيسكو الأمريكية لتحديث شبكات الحكومة الإلكترونية تعني ببساطة أنك لن تضطر بعد الآن إلى الوقوف في صفوف طويلة لاستخراج شهادة حسن السيرة، أو انتظار نصف ساعة على الهاتف لمعرفة موعد تجديد جوازك. ربما سنفتقد لذة الانتظار والإحباط التي اعتدنا عليها في الدوائر الحكومية، فالبحريني بطبعه إنسان عاطفي يرتبط بالماضي، ويحنّ إلى تلك الأيام التي كان يخرج فيها من الوزارة سعيداً لأنه فقط أنهى معاملته في زمن قياسي لم يتجاوز الساعتين!

ولا أنسى الطاقة النووية. ربما تخيلت للحظة مفاعلاً صغيراً في المحرق، وكأننا دخلنا فجأة عصراً نووياً بين الفرجان والبيوت! لكن اطمئن، الاتفاقية مع أمريكا هدفها إنتاج كهرباء نظيفة وآمنة وبسعر معقول، ما يعني أنك لن تضطر بعد الآن لإطفاء المكيفات في عز الصيف، لأن فاتورة الكهرباء النووية ستكون ألطف على قلبك (وجيبك!).

التكنولوجيا ليست مجرد كابلات وأرقام وصفقات بالمليارات، بل هي لحظات يومية بسيطة، أن تعيش حياة كريمة تليق بإنسانيتك، وأن يكون وطنك سباقاً في تقديم الأفضل لك، ولو بكابل بحري قد لا نفهمه جيداً، لكنه في الحقيقة يفهم كيف يجعل حياتك أفضل وأسهل وأسرع.

هذه الجهود الحكومية الذكية تستحق كل التقدير والاحترام؛ فهي ليست مجرد صفقات، بل رؤية حقيقية للمستقبل تؤكد أن البحرين، رغم حجمها الصغير على الخريطة، قادرة على المنافسة والتقدم، وتطمح دائماً لتقديم حياة كريمة ومتطورة لأبنائها. وهذا ما يجعلنا بحق، نشعر بالفخر.

* خبير تقني