شهد العالم خلال شهري يونيو ويوليو لهذا الصيف موجات حرارة غير مسبوقة، حيث صُنّف شهر يونيو كثالث أحر شهر في التاريخ منذ بدء تسجيل البيانات، مع انحراف حراري عالمي يقترب من +1 درجة مئوية عن المعدلات المعتادة، وكذلك يوليو، تدلّ المؤشرات إلى غاية الآن أنه من بين الأشهر الأشد حرارة على الإطلاق.
لقد تضررت أوروبا بشكل كبير من هذه الموجات، حيث أظهرت تقديرات نشرتها وكالة رويترز إلى أن موجة الحر خاصة الأخيرة التي استمرت من أواخر يونيو إلى بداية يوليو من العام الحالي أدّت إلى وفاة نحو 2,300 شخص تأثراً بموجات الحر وذلك في 12 مدينة غربية كبرى.
فقد تجاوزت درجات الحرارة في بعض دول جنوب أوروبا حاجز 46 درجة مئوية في عدة أماكن مثل الأندلس الإسبانية، وصقلية الإيطالية، وبعض المناطق في البرتغال واليونان، وفي فرنسا شهدت مدينة مرسيليا، الواقعة على الساحل الجنوبي لفرنسا، موجة حر شديدة كانت من بين الأشد في تاريخها الحديث، ففي أواخر يونيو وأوائل يوليو 2025، سجلت مرسيليا درجات حرارة مرتفعة، حيث اقتربت من 40 درجة مئوية.
كما سجّلت القارة الصفراء آسيا، ثاني أعلى ارتفاع في متوسط درجات الحرارة السنوية بالعالم، حيث عانت الهند وباكستان من استمرار موجة الحر التي بدأت مبكراً منذ أبريل، حيث تجاوزت درجات الحرارة 48 درجة مئوية في عدة مدن بشمال الهند.
في حين شهدت دول الخليج العربي موجة حر شديدة، هي من بين الأشد في تاريخ المنطقة، حيث تجاوزت درجات الحرارة 50 درجة مئوية في عدة مناطق داخل الكويت والعراق وشرق السعودية، مع تسجيل درجات حرارة تراوحت بين 47 و49 درجة مئوية في معظم العواصم الخليجية مثل الرياض، المنامة، أبوظبي، والدوحة.
وقد تعرّض العراق إلى موجة حرّ قاسية وغير مسبوقة، صُنّفت ضمن الأعلى عالمياً لهذا العام، فقد تجاوزت درجات الحرارة في العديد من المدن العراقية 50 درجة مئوية، خاصة في البصرة، الناصرية، العمارة، ووسط بغداد، وسُجلت حرارة بلغت 53.1 درجة مئوية في بعض مناطق جنوب العراق، في الكويت، سُجلت حرارة بلغت 53.2 درجة مئوية في منطقة مطربة، لتكون الأعلى عالمياً خلال هذا الصيف.
كما شهدت المنطقة الشرقية من السعودية موجة حر غير معتادة استمرت لأيام متتالية دون انخفاض ملحوظ، وما زاد من حدة الشعور بالحرارة التي تراوحت بين 43 درجة مئوية و46 درجة مئوية في البحرين هذا العام، معظم الأيام ولامست في بعض المرات 47 درجة مئوية، هو الارتفاع الكبير في نسبة الرطوبة، خاصة في المناطق الساحلية مثل المنامة والمحرق.
أما بالنسبة للقارة السمراء فقد واجهت موجات حر غير مسبوقة في معظم البلدان والمناطق الأفريقية، فخلال الشهر الماضي، سجلت دول الغابات الاستوائية والسهول الصحراوية مثل نيجيريا، والكونغو، وجنوب السودان، وإثيوبيا، ثاني أحر يونيو في التاريخ، مع انحرافات تصل إلى +2.1 درجة مئوية فوق المتوسط، وخلال الشهر الحالي تشير درجات الحرارة المرصودة إلى استمرار الارتفاع في درجات الحرارة في شمال ووسط وجنوب القارة بسبب استمرار تأثير الكتل الهوائية الحارة القادمة من الصحراء الكبرى الواقعة شمال القارة.
كما تعرّضت القارة الأمريكية -بشمالها وجنوبها- لموجات حر شديدة وغير مسبوقة، عكست اتساع ظاهرة الاحتباس الحراري وتأثيراتها المتصاعدة عبر القارات، فقد شهدت الولايات المتحدة موجة حر مبكّرة خلال يونيو، حيث تجاوزت الحرارة في عدة ولايات مثل تكساس، نيفادا، أريزونا، ونيورك مستوى 38 درجة مئوية، بينما اقتربت في بعض المناطق من 43 درجة مئوية، وسجلت مدن مثل فينيكس درجات حرارة مرتفعة ليلاً، مما تسبب في إجهاد حراري حاد، وأيضاً طالت موجة الحر الساحل الشرقي، ووصلت إلى العاصمة واشنطن وبوسطن ونيويورك، وكذلك في كندا، سُجلت درجات حرارة قياسية تجاوزت 35 درجة مئوية في مونتريال وأوتاوا في نهاية يونيو، وهي درجات قياسية لشهر يونيو في هذه المناطق على الإطلاق.
ولم تكن القارة الجنوبية بعيدة عن اكتساح الموجات الحرارية، حيث سجّلت الأرجنتين خلال فبراير الماضي (موسم الصيف في النصف الجنوبي) حرارة بلغت 46.5 درجة مئوية في ريفادافيا، بينما شهدت البرازيل وباراغواي موجات حر متأخرة خلال يونيو، أثّرت على الزراعة والمحاصيل، وخلّفت جفافاً في بعض المناطق، كما رُصدت درجات حرارة ليلية مرتفعة للغاية، بلغت 30.8°C في مدينة كاتاماركا في شمال غرب الأرجنتين، مما فاقم الأثر الصحي على السكان، خصوصاً كبار السن والعمال في الأماكن المفتوحة.
ورغم أن فصل الشتاء في أستراليا يحِلُّ من بداية شهر يونيو ويمتد حتى نهاية أغسطس، غير أن القارة سجّلت خلال شهر يوليو موجات حر لم تعرفها من قبل، خصوصاً في الجنوب والغرب، مع تسجيل درجات حرارة تجاوزت المعدلات المعتادة بـ4 إلى 6 درجات مئوية، مما جعل الشتاء الأسترالي مُغايراً تماماً، كما رافق ذلك موجات حر بحرية شديدة أثّرت على الكائنات البحرية.
ثم ماذا بعد؟! ماذا بعد اكتساح موجات الحر للكوكب الأزرق، بِنِصفَيه شمالِه وجنوبِه، شرقِه وغربِه، بجميع قارّاته ومحيطاته، بجميع فصوله، صَيفِهِ وشِتائِهِ؟!