كم هو جميل أن تكون لك صورة تذكارية مع حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وكم هو جميل أن تكون هناك صورة تذكارية تجمع جلالة الملك المعظم والشباب كي تجسد حلم الوطن، لأن في هذه الصورة ما هو أبعد من عدسة أو أعمق من لقطة.
ماذا يعني أن يزور جلالة الملك المعظم شرياناً نابضاً يحمل اسم «مدينة شباب 2030»، ويتجول بين مراكزها، ويصغي لإيجازاتها، ويصافح عقولاً فتية ترسم المستقبل؟
في هذا المشهد المهيب، لم يكن جلالة الملك المعظم يزور منشأة تدريبية، بل كان يكرّس رؤية وطنية ممتدة، يُعطيها من هيبته دفعة استراتيجية تمضي في الزمن وتؤسس لبنية ذهنية جديدة تقوم على الإيمان بالشباب لا كشريحة عمرية، بل كأصل وطني ثمين، وركيزة حضارية في معادلة البحرين التنموية.
أن يأتي جلالته إلى «مدينة شباب 2030»، ويكون في استقباله قادة الملف الشبابي والرياضي، سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، وسمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة، والوزراء المعنيون، فهذا بحد ذاته إعلان سياسي اجتماعي بامتياز، بأن مسألة الشباب لم تعد ملفاً إدارياً يعالج موسمياً، بل قضية استراتيجية تتشابك مع هوية الدولة ومستقبلها.
في قلب هذا الإنجاز، يبرز الشعار الذي تحمله المدينة: «أبعد من الحلم»، ليس مجرد عنوانٍ تعبيري، بل منظوراً وطنيّاً متكاملاً، لأن الحلم مهما كان واسعاً، يبقى محدوداً إذا لم يجد من يحتضنه، ويوجّهه، ويمنحه الأدوات ليصبح واقعاً، وهذا ما فعلته المدينة، وهذا ما أكّدته الزيارة الملكية، أن المشروع ليس طموحاً مؤقتاً، بل استثماراً استراتيجياً في الإنسان البحريني، ورؤية تُبنى لبعدٍ زمنيٍّ ومكانيٍّ يتجاوز الراهن.
الشباب البحريني الذي يقبل على هذه المدينة لا يبحث فقط عن برامج تدريبية أو فرص لتنمية المهارات، بل يأتي ليحجز مقعداً في مركبة الوطن المنطلقة نحو 2030 وما بعدها، ولذلك جاءت كلمات جلالة الملك المعظم في غاية الوضوح: «فخورون بكم، وبعطائكم في مسيرتنا الوطنية نحو مستقبل أكثر ازدهاراً»، ليست مجاملة، بل إعلان موقف وتوجيه بوصلة.
ومع أن جلالته التقط صورة مع الشباب، إلا أن للصورة هنا رمزاً خاصاً؛ لم تكن صورة تذكارية بل كانت صورة احتضان، بلغة لم تنطق بها الكلمات بل قالها المشهد: نحن معكم.. نؤمن بكم.. ومعكم نأخذ صورة، لأنكم أنتم وجه البحرين القادم.
وإذ نحتفي بهذه المدينة النموذجية، فإن التساؤل الأكثر إلحاحاً يطرق باب المنطق والمجتمع: ماذا عن الشباب الذين لم تصلهم بعد رسالة مدينة الشباب؟ ماذا عن أولئك الذين لأسباب جغرافية أو اجتماعية أو حتى نفسية، لا يعرفون أن مثل هذه المساحات الرحبة متاحة لهم؟ ماذا عن الشباب الذي يقضي الصيف بين حيرة وقتٍ ضائع أو بحث عن عمل يعينه على إعالة أسرته؟
هنا تكمن أهمية الربط الاستراتيجي بين مدينة شباب 2030 والمراكز الشبابية المنتشرة في أنحاء المملكة، لا ينبغي أن تكون المدينة جزيرة مستقلة في محيط البرامج الوطنية، بل يجب أن تكون المحور، القلب الذي يضخ برامجه وتجاربه ومخرجاته إلى أطراف المملكة من خلال تلك المراكز، فتتحول التجربة من نموذج رائد إلى منظومة شبابية وطنية شاملة.
نحن أمام فرصة ذهبية لإعادة تعريف دور المراكز الشبابية بوصفها أذرعاً تنفيذية لمفاهيم ومضامين مدينة شباب 2030 من خلال التنسيق البرامجي، وتبادل الكوادر، وتبني المناهج التدريبية، وإشراك الشباب في المحافظات في فعاليات المدينة عبر مبادرات متنقلة أو شراكات ميدانية.وهكذا، يصبح الشعار «أبعد من الحلم» حقيقة تُترجم في قرى ومدن وقلوب شباب لم يسبق لهم أن وطئت أقدامهم هذه المدينة، لكنهم الآن مدعوون ليكونوا شركاء في رؤيتها، لأن البحرين لا تبني نخبة، بل تبني أمة.
هذه ليست دعوة للعمل المشترك فقط، بل دعوة للتكامل الوطني، في زمن يحتاج فيه الوطن لكل طاقاته، ويعتمد على شبابه كوقود تنموي، وسفراء لصورة البحرين الحضارية، فالمملكة بقيادة جلالة الملك المعظم، تقدم للشباب اليوم بنية تحتية لا تقتصر على المباني والتجهيزات، بل تمتد إلى الإيمان والتمكين والاحتضان.
وعلينا، نحن كأفراد ومؤسسات ومجتمع، أن نترجم هذا الإيمان إلى واقع حي، نمد الجسور بين المدينة والمناطق، بين المفهوم والتطبيق، بين الشباب والفرص، أن نرفع صوتنا: «معك نأخذ صورة»، ولكن نضيف: «ومنك نأخذ عهداً أن نكون أبناءً أوفياء لهذا الوطن، حراساً لأحلامه، ومهندسين لمستقبله».
فالصورة التي التقطها الشباب مع جلالة الملك المعظم لن تبقى مجرد ذكرى، بل قد تكون لحظة فاصلة في وعي جيلٍ قرر أن يكون في قلب المشهد، لا على هامشه، جيلٍ أدرك أن الدولة التي تصافحه، وتفتح له أبوابها، وتؤمن به، تستحق أن يصنع لها ما هو أعظم من الصور: أن يصنع لها المستقبل.. مستقبلٌ «أبعد من الحلم».
* إعلامية وباحثة أكاديمية