«التطرف المناخي» يشير إلى الظواهر الجوية والمناخية التي تخرج عن نطاق المعدلات الطبيعية والتقليدية في شدتها، تكرارها، مدتها، أو توقيتها. بمعنى آخر، هي أحداث طقسية نادرة وغير معتادة تصبح أكثر تواتراً وشدة بسبب التغير المناخي الناتج عن النشاط البشري. ولفهم التطرف المناخي بشكل أفضل، يمكن تقسيمه إلى عدة نقاط رئيسية:1. الخروج عن المألوف: يعكس التطرف المناخي انحرافاً كبيراً عن الظروف الجوية التي اعتادت عليها منطقة معينة على مدى فترة طويلة (المناخ الطبيعي للمنطقة). فمثلاً، هطول أمطار غزيرة جداً في صحراء جافة، أو موجة حر شديدة في منطقة معتدلة الحرارة.2. الشدة والتكرار والمدة:- الشدة: تصبح الظواهر الجوية (مثل العواصف أو موجات الحر) أقوى بكثير مما كانت عليه في الماضي.- التكرار: تزداد وتيرة حدوث هذه الظواهر المتطرفة. فبدلاً من أن تحدث مرة كل عشر سنوات، قد تحدث كل بضع سنوات أو حتى سنوياً.- المدة: قد تستمر هذه الظواهر لفترات أطول من المعتاد، مثل موجات الجفاف الممتدة أو موجات الحر الطويلة.- التوقيت: قد تحدث الظواهر في أوقات غير متوقعة من العام (مثل عاصفة ثلجية مبكرة جداً أو متأخرة جداً).3. الصلة بالتغير المناخي: بينما تحدث بعض الظواهر الجوية المتطرفة بشكل طبيعي، فإن التغير المناخي الذي يسببه الإنسان (خاصة زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة) يزيد بشكل كبير من احتمالية حدوث هذه الظواهر المتطرفة، ويجعلها أكثر شدة وتكراراً؛ فارتفاع درجات الحرارة العالمية يمد الغلاف الجوي بمزيد من الطاقة والرطوبة، مما يؤدي إلى ظواهر أكثر عنفاً.أمثلة على مظاهر التطرف المناخي:- موجات الحر الشديدة: ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية لفترات طويلة، مما يهدد صحة الإنسان، ويؤثر على الزراعة.- الجفاف الممتد: نقص شديد في الأمطار لفترات طويلة، مما يؤدي إلى نقص المياه وتدهور الأراضي.- الفيضانات والسيول الجارفة: هطول أمطار غزيرة جداً في فترة قصيرة، مما يفوق قدرة التربة وأنظمة الصرف على استيعابها، ويؤدي إلى فيضانات مدمرة.- العواصف الشديدة والأعاصير المدارية: زيادة في قوة وعدد الأعاصير والعواصف الرعدية، وتغير في مساراتها أو مناطق تأثيرها.- حرائق الغابات المدمرة: زيادة في تواتر وشدة حرائق الغابات، خاصة في المناطق الجافة والمعرضة للرياح.- عواصف الغبار والأتربة: نتيجة للجفاف وتدهور التربة.- موجات البرد القارس غير المعتادة: في بعض الحالات، يمكن أن يؤثر التغير المناخي على التيارات الهوائية مما يؤدي إلى موجات برد شديدة في مناطق غير متوقعة.باختصار، التطرف المناخي هو تعبير واضح وملموس عن تأثيرات التغير المناخي على الأرض، حيث يصبح الطقس أكثر تقلباً وشدة وعنفاً، مما يهدد الأنظمة البيئية والبشرية على حد سواء.- أبرز المؤشرات التي لاحظها المختصون وألأكاديميون في التطرف المناخي:تنقسم الإجابة على هذا السؤال إلى جزأين، حيث تشمل المؤشرات الملحوظة لتأثيرات التغير المناخي وتطرف الطقس من منظور عام، ومن منظور خاص بالمنطقة العربية والخليج العربي.أولاً: المؤشرات العالمية العامة التي يلاحظها المختصون والأكاديميون:أ- ارتفاع درجات الحرارة العالمية: هذا هو المؤشر الأساسي والأكثر وضوحاً. تشهد السنوات الأخيرة تسجيل درجات حرارة قياسية على مستوى العالم، ويظهر ذلك في:1. ارتفاع متوسط درجات حرارة الكوكب سنويًا.2. زيادة عدد الأيام والليالي الحارة بشكل غير مسبوق.3. تراجع وذوبان الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية القطبية بمعدلات متسارعة.4. تغير أنماط هطول الأمطار: لم يعد الأمر مجرد زيادة أو نقصان في الأمطار، بل تغير في أنماطها:5. الجفاف الشديد والممتد: مناطق كانت غنية بالأمطار أصبحت تعاني من فترات جفاف طويلة، مما يؤثر على الزراعة والموارد المائية.6. الفيضانات المفاجئة والمدمرة: في المقابل، تشهد مناطق أخرى هطول أمطار غزيرة جدًا في فترات قصيرة، مما يؤدي إلى فيضانات سريعة ومدمرة بسبب عدم قدرة التربة وأنظمة الصرف على استيعاب هذه الكميات.7. تغير مواسم الأمطار: قد تتأخر مواسم الأمطار أو تتقدم، مما يربك الدورات الزراعية والبيئية.ب- زيادة تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة: هذا هو جوهر «التطرف المناخي»، ويشمل:1. موجات الحر الشديدة: أصبحت أكثر تكرارًا وأطول مدة وأكثر شدة، مما يؤدي إلى وفيات وإجهاد على البنى التحتية.2. العواصف الشديدة والأعاصير المدارية: ازداد عدد الأعاصير القوية (من الفئة 3 وما فوق)، وبعضها يضرب مناطق لم تكن معتادة عليها. كما أن العواصف الرعدية أصبحت أكثر عنفًا.3. حرائق الغابات المدمرة: تؤدي فترات الجفاف الطويلة وموجات الحر إلى ظروف مثالية لانتشار حرائق الغابات على نطاقات واسعة وبشدة غير مسبوقة.4. السيول الجارفة: نتيجة للأمطار الغزيرة المفاجئة على تضاريس لا تحتملها، تحدث سيول مدمرة.5. ارتفاع مستوى سطح البحر: يؤدي ذوبان الجليد وتمدد مياه المحيطات بسبب ارتفاع حرارتها إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، مما يهدد المدن الساحلية والجزر المنخفضة:6. تزايد ظاهرة المد العالي في المناطق الساحلية.7. تسرب المياه المالحة إلى الخزانات الجوفية العذبة في المناطق الساحلية.8. تآكل الشواطئ وفقدان الأراضي الساحلية.ج- التأثير على الأنظمة البيئية والتنوع البيولوجي:1. تغير مواعيد هجرة الطيور ودورات حياة النباتات.2. نزوح بعض الأنواع الحيوانية والنباتية بحثًا عن ظروف مناخية أكثر ملاءمة.3. تبييض الشعاب المرجانية نتيجة ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات.ثانياً: مؤشرات محددة في المنطقة العربية والخليج العربي:تعتبر المنطقة العربية والخليج العربي من أكثر المناطق عرضة لتأثيرات التغير المناخي، والمؤشرات هنا أكثر وضوحًا وخطورة:1. موجات حرارة غير مسبوقة: تشهد المنطقة صيفًا أكثر قسوة وطولًا، مع تسجيل درجات حرارة تتجاوز 50 درجة مئوية في العديد من المدن بشكل متكرر.2. نقص حاد في المياه وتفاقم الجفاف: المنطقة تعاني أصلاً من ندرة المياه، والتغير المناخي يزيد الوضع سوءًا:3. انخفاض مستويات المياه في السدود والأنهار (مثل نهر النيل ودجلة والفرات).4. تفاقم ظاهرة التصحر وزحف الرمال.5. زيادة الاعتماد على تحلية المياه، مما يرفع التكاليف ويترك بصمة كربونية.6. ظواهر جوية متطرفة مفاجئة وغير متوقعة.7. سيول وفيضانات مفاجئة: شهدت دول الخليج والمناطق الصحراوية سيولاً جارفة غير مسبوقة (مثل سيول جدة، والفيضانات الأخيرة في الإمارات وعُمان) التي أدت إلى خسائر بشرية ومادية فادحة، رغم أن هذه المناطق كانت تعتبر جافة في معظم الأوقات.8. عواصف رملية وترابية متزايدة: تؤدي فترات الجفاف والرياح الشديدة إلى زيادة تواتر وشدة العواصف الرملية التي تؤثر على الصحة والنقل والرؤية.9. تغير في أنماط المنخفضات الجوية: بعض المنخفضات الجوية التي كانت تمر بشكل منتظم بدأت تظهر سلوكًا غير متوقع من حيث الشدة والتوقيت.10. ارتفاع رطوبة الجو (الكمدة): مع ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع درجة حرارة سطح البحر، تزداد الرطوبة في المناطق الساحلية للخليج، مما يجعل الإحساس بالحرارة أكثر قسوة ويؤثر على صحة الإنسان.11. تأثر الإنتاج الزراعي والغذائي: التغيرات في درجات الحرارة وأنماط الأمطار تهدد الأمن الغذائي في المنطقة التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد، أو على محاصيل معينة تتأثر بالظروف الجديدة.12. ارتفاع مستوى سطح البحر في الخليج العربي: نظراً لكون معظم مدن الخليج ساحلية ومنخفضة، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر يمثل تهديداً مباشراً للبنية التحتية والمناطق السكنية والاقتصادية.باختصار، يلاحظ المختصون والأكاديميون تحولات جذرية في أنماط الطقس والمناخ، تتمثل في زيادة تواتر وشدة الظواهر المتطرفة، وارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط هطول الأمطار، وارتفاع منسوب البحار، وكلها تؤشر إلى أن كوكب الأرض يمر بتغيرات مناخية سريعة تتجاوز الدورات الطبيعية المعروفة. وفي المنطقة العربية، تتجلى هذه المؤشرات بوضوح في صورة قسوة الطقس، ونقص المياه، وزيادة الظواهر الجوية المفاجئة والمدمرة.* أستاذ الفيزياء التطبيقيةبجامعة الخليج العربي