في أبجديات اللغة بجميع الألسن، تُعَدّ الجملة مفيدة، عندما تكون بصيغة سليمة تتوفر فيها العناصر المطلوبة وفق القواعد اللغوية، إما فعل وفاعل ومفعول به، أو مبتدأ وخبر، وإما أن يكون خطاب أو تصريح يتكون من عناصر أساسية تُشكل بُنيَتُه وتجعله فعلاً تواصلياً وله معنى وهدف.
والعناصر الثلاثة التي ينبني عليها الخطاب أوالتصريح، تتمثّل في (المتكلم، المخاطب، الرسالة)، فهي العمود الفقري لكل خطاب وتصريح، والإخلال بأي عنصر منها يخلّ بالمعنى والرسالة إطلاقا، خاصة وأنّ القناة أو الوسيلة تكون عموما شفوية.
لكن أن يكون الخطابُ أو التَّصريح، المُخاطِب أو المُتكلِّم مٌعرَّف، وحاضِر، بيد أنَّ المُخاطَب أو المُتلقّي لا يوجد وليس حتى مبنياً للمجهول، يصبح الخطابُ أو التَّصريح معوقاًً، فاقِداً للرّسالة والهدف.
الغريب أن هذه الصيغة، التي ليس لها صفة لغوية في جميع الألسنة العالمية أصبحت صفة في في صياغة معظم الخطابات والتصريحات الرسمية، وخاصة على لسان الدول التي تقود العالم، وتتبوّأ مِنصَّات إصدار قرارات تحديد مصير الشعوب، وإعطاء إشارة اندلاع الحروب وإطفائها.
الغرابة أن هذه الصيغة ليست صفة ملازمة لخطابات القوى المهيمنة، في كل الحالات وكل الأحوال، وإنّما هي باتت ملازمة فقط مع قضايا دون أخرى، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، سيما العدوان على غزة وحرب الإبادة على أهلها، وممارسة أبشع الانتهاكات في القطاع، وأعمال الإجرام من تجويع وتهجير قسري، بل وجرائم حرب فظيعة، من تفجير تجمعات مدنيين عزل، أكثرعوائل، هم نساء وأطفال وشيوخ، إلى تدمير المستشفيات ليصل إلى اقتناص بعد التجويع بالاستدراج المدنيين الفلسطينيين، وعلى وجه الخصوص سكان القطاع، واستخدام معونات الإغاثة كطُعم لتَصيُّد وإجهاض عشرات الأرواح في آن واحد.
إزاء هذه الوقائع المرعبة والوقائع الوحشية المذهلة، تأتي مواقف للقوى العظمى في خطابات هجينة، المُتكلِّم فيها معرف والمُخاطَب فيها مجهول، والرِّسالة مفقودة، وذلك على نحو «بريطانيا تطالب بوقف فوري للحرب في غزة»، من المُطالَب؟! أو نحو «روسيا تدعو إلى التّهدئة والتعاون الدولي لإنهاء الأزمة بشكل شامل» من المَدعو؟! أو كذلك «الصين تُدلي بـِ»دعوة صريحة إلى وقف فوري لإطلاق النار»، بينما أعلنت فرنسا أنها ستعترف رسميًا بالدولة الفلسطينية خلال جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025، في صيغة مُغايرة، استندت على أساس مبني للمُستقبل.
وبين كلِّ تصريح مَشُوب، ومُخاطب مَجهول، وهدفٍ مفقود، وآخر مبني للمُستقبل أرواح بريئة بالآلاف تُزهَق! وبطون خاوية من الجوعِ تتضوّر! وأفواه من العطش يابسة! وأرضٌ تعرّضت لحرب إبادة أوشكَت أن تكون قد خَلَت، وعِرقٌ مهدَّد بالتّطهير.