فواز العبدالله
هناك هوس حقيقي يكمن في داخل البشر للعراقة وللتراث وللماضي، للحياة البسيطة وللمنازل الصغيرة القابعة وسط الأزقة، وهذا ما أراه حالياً خلال إجازتي التي أقضيها مع أبنائي خارج حدود الوطن، أرى خلال تجولي الفضول القابع في أعماق السياح رغم تنوع أعمارهم من كبار وشباب إلى تلك الحقب القديمة التي كانت فيها البيوت متلاصقة والممرات الضيقة والمحال التجارية البسيطة وللبضائع المنزلية والأكلات الشعبية، أرقب في أعين الجميع تلك النظرة التي يستحضرون بها حقباً قديمة لتلك الأزمنة الجميلة، أتفقد وأنا وسطهم ذلك الاهتمام الذي توليه الدول لمعالمها التراثية من حرص على إبرازها والاهتمام بها دون المساس بعبقها القديم.
وأنا وسط ذلك الزحام تجول في داخلي العبارات الملكية السامية التي أطلقها جلالة الملك المعظم المتعلقة بحفظ الهوية الوطنية، وأوامر جلالته السامية بإعادة تطوير مدينة المحرق، تلك المدينة التي تتلألأ على مدار العام، وتشع أنوارها خلال احتفالات ديسمبر الوطنية عبر مهرجان ليالي المحرق، والعدد اللافت من الزوار من المحيط الإقليمي والعالمي لذلك المهرجان بغرض التحول في فرجانها والدخول إلى بيوتها المفتوحة ومجالسها العريقة والتلذذ بالأكلات الشعبية المنتشرة على طول خط ذلك المهرجان السنوي، أتلمس تلك الرؤية الحكيمة من لدن جلالته التي تعيد صياغة الهوية، وتغرس في نفوس الأجيال ذلك الإرث العظيم الوطن الغالي، وتنقل للعالم بأسره حضارتنا وتاريخنا، وتجعل من تلك المناطق مزاراً سياحياً سنشهد طفرته في القريب العاجل فور اكتمال المشروع.
إن ما نراه خارج الوطن لا يزيد على وطننا بشيء، بل نحن من نزيد عليهم بارتباطنا الفعلي بماضينا الذي نفخر به، بعاداتنا الأصيلة التي نرحب من خلالها بالجميع، بابتسامتنا وبساطتنا ورقي أخلاقنا، بأبوابنا المفتوحة، بتواجدنا في أحيائنا القديمة، بالمجالس التي ترحب بالزوار، بكبار السن في المقاهي العتيقة الذين يحكون قصص الآباء والأجداد، ويروون عبر تجاعيد وجوههم مراحل الحياة وحكايا الغوص واللؤلؤ والتجارة والبحر، وفوق كل ذلك يغرسون نبتة الولاء والوطنية وعشق الوطن، ذاك العشق الذي يكون بمثابة اللوحة الفنية التي يتميز بها أهل البحرين، ويفتقدها العديد من دول العالم.
نترقب بصدق اكتمال مشروع تطوير مدينة المحرق ليكون بداية حقيقية لمشاريع قادمة تستهدف زرع الهوية الوطنية، وتضع الوطن في خارطة السياحة العالمية، فما نملكه في البحرين لا يملكه الآخرون.