- الصدق مع الله عز وجل، هو صدق المشاعر والأحاسيس، وصدق التوجّه، وسكينة القلب تجاه مواقف الحياة، وتجاه كافة الأعمال التي نقوم بها. هي الراحة القلبية التي تسكن نفوسنا كلما أقدمنا على عمل يُحبه الله عز وجل. أحياناً تأتي الوساوس الشيطانية المريبة على هيئة (تشكيك) في كل نية وعمل نقوم به، بخاصة عندما تكون الموازين مقلوبة، وتعتري المرء بعض العراقيل والمثبطات والغفلة، وعندما لا تجد النوايا الحسنة الواثقة من عطائك صدى عند من تقوم من أجلهم بهذه الأعمال. حينها عليك أن تذكر نفسك بالله تعالى وحده، فهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وهو من بيده مقاليد الأمور، وهو الذي سيجازيك على أعمالك، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وهو المطلع على نواياك وصدق خطواتك، وكل ما يدور في خلدك. باختصار، خلك مع (الله)، وكن مطمئناً كما أنت، وتعامل بأحاسيسك الصادقة.
- المشاعر، تلك التي تذكّرك بالأيام الجميلة التي عشتها، وكان العطاء فيها في مواقف معينة، واستمرت اليوم، ولكن بأناس آخرين، وبأسلوب مغاير عن السابق. تلك التي عشتها منذ أيام مع ذلك الشخص الكبير في السن مع ابنه، عندما أقبل عليّ يسلم مستبشراً ومهللاً، ويذكرني بشخصه الكريم منذ عشرين عاماً، عندما كان بيته بالقرب من مسجدنا، ويصلي عندنا باستمرار، ثم تحوّل سكنه إلى منطقة أخرى. عشرون عاماً ليست سهلة، عندما تستذكر كل أولئك الذين مرّوا عليك في المسجد، ولكن ما ظل بعد كل تلك السنوات (المشاعر) وحدها، والمحبة. جميل أن يكبر ذلك الصغير، ويكبر معه الكبير، ولكن تبقى أنت في قلبهما، في أيام يتذكرون فيها تلاوتك، ويرون حكاية خطواتك للمسجد. اليوم كبرنا كلنا، وبقيت المشاعر، وبقي الأثر الجميل الذي يشفع لنا عند المولى الكريم. جميلة هي هذه الشخصيات الوفية، وجميلة عطايا الرحمن. ربي، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
- علّمتني الحياة أن الأيام (دُول)، وأن الخير سيعود لك يوماً، وأن الأحداث ستكشف بعضها يوماً ما، وأن المواقف التي كنتَ فيها (مُتّهَماً) بلا ذنب اقترفته، وبنوايا مغلّفة بالظنون، سترد على أصحابها يوماً، وستظهر الحقيقة التي أبى أصحابها أن يعرفوها، لأنهم لا يريدون أن تكون كما هي. فهم يؤمنون بأن (مشاعرهم) فقط، ورؤيتهم هي الغالبة كما يظنون. المشاعر المزعجة هي التي ترد على أصحابها، وإن بذلوا ما بذلوا من الجهود لكي يزعجوا غيرهم، لاعتقادهم أن الغلبة في النهاية ستكون لهم. وفي النهاية إنما الغلبة لـ (مشاعر المحبة الصادقة) التي يتبادلها معك الصادقون في محبتهم، لا أولئك الذين ينتفعون من المواقف الرسمية ليكونوا بقربك. هي رسائل لا يفهمها إلا أولئك الذين كانت لهم صولات وجولات في محيط حياتهم، يعطون بلا توقف.
- اعتدت أن يكون بقربك في كل رحلة، واعتدت أن تضع يده بيدك في مقام، فمشاعر المحبة الصادقة معه، تحسّها من بعيد، وتحسّها بتلك المواقف التي تصلك رسائلها من دون أن تشعر. اعتاد أن يعمل معه، وفجأة افتقد المساحات التي كان يعمل فيها، وافتقد لمساته، وافتقد أحاديثه، وافتقد وُدّه الذي كان يبادله إياه في أجمل المواقف، وأجمل الأماكن. (فالأرواح جنود مجندة)، وحياتنا إنما هي بمواقفها وأفعالها، وأفعال المحبين هي التي تكشف صدق أحاسيسهم ومحبتهم المتبادلة. فالمشاعر لم تكن يوماً مجرد (خواء)، بل هي الحياة بأكملها، وهي الدفء الذي نفزع إليه كلما ألهتنا الأيام. (المشاعر الوفية) هي الباقية في أطياف قلبك. يرحل من يرحل من أولئك (المتذبذبين) في مشاعرهم تجاهك، وتبقى تلك (الوفية الصادقة) التي تتهلل لسماع اسمك، وتستذكر مواقف أثرك، وتدعو لك في ظهر الغيب. منذ أيام، تلقيت من قلب مُحب أبادله الوفاء، ولا ألقاه كثيراً لظروف الحياة، رسالة أثلجت صدري كثيراً، وما أجملها من مشاعر، وودّ يجمع القلوب: "دائماً لك دعوات خاصة من قلبي في هذا المكان (بيت الله الحرام)، ومستحيل ما أتذكرك". يا رب، ارزقه مثل ما دعا، وأضعاف ما يتمنى.
- "ذكريات المشاعر" هي التي يضج بها المكان، وبخاصة أماكن الأحباب: والدك، والدتك، ذريتك، أهلك. في كل زاوية في ذلك البيت، تتذكر مواقف مضحكة، وفي كل مساحة، تتذكر أحاديث جميلة جمعتك بهم، وظلّت ترنّ في مخيّلتك، وما زالت لها الأثر المطمئن في نفسك. هو الحنين للماضي الجميل، وحنين الأيام، وحنين المواقف التي لا تُنسى. يقول علي الفيفي في كتابه الرجل النبيل:
"ما أحرق الذكريات إذا ضجّت بها الأمكنة، في كل زاوية عطر منه يهبُّ، وفي كل كلمة يسمع الصحابة نبرته، ومع كل أذان يتخايلون وجهه وهو يبتسم.
مسكين معاذ! كلما أمسك شخص بمنكبه التفت بلهفة، يبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا بوجهٍ آخر، وغصّةٍ أخرى. مُحزن أبو بكر! كلما طرقت الرياح بابه يخرج مُسرعاً، ثم لا يجد أحبّ الناس. مؤثّر حال عمرو بن العاص! كلما ابتسم له إنسان، يبحث في ملامحه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا به ليس الذي كأن الشمس تجري في وجهه. مسكين الطفل أبو عُمير! لم يأتِ شخصٌ آخر ليسأله: ما فعل النُّغير؟ مسكين بلال! لم يسمع ذلك الصوت العظيم الذي يقول له دائماً: أرحنا بها يا بلال. مسكين عمر! لم يقل له شخص آخر: لا تنسَنا من دعائك يا أخي".
ومضة أمل
إنما الحياة ذكريات ومشاعر.