من سخريات القدر، أو بالأحرى من سخريات السياسة في بريطانيا، أن تنضم امرأة من أصول عربية مسلمة إلى الحزب البريطاني الأكثر شراسة في رفض المهاجرين وبالأخص المسلمين منهم. (ليلى كانينغاهم)، المحامية التي ولدت لأبوَين مصريين مسلمَين هاجرا إلى بريطانيا في الستينات -وعملت مدعية عامة في هيئة النيابة الملكية البريطانية- انضمت مؤخراً للحزب اليميني Reform المناهض للهجرة والذي أعلن دعمها وترشيحها لخوض انتخابات عمدة لندن 2028..!
ولا تعتبر حالة (ليلى) جديدة في المشهد البريطاني فقد تكررت مع شخصيات بريطانية أخرى أصولهم من جنوب آسيا كان لها مواقف متشددة من الهجرة مثل وزيرتي الداخلية السابقتين في حزب المحافظين (سويلا بريفمان) و(بريتي باتيل). فالأولى تبنت مشروع ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا والثانية أصدرت نظام النقاط للهجرة والذي كان هدفه الحد من تدفق المهاجرين من خلال وضع ضوابط صارمة لدخول بريطانيا والإقامة فيها.
وإذا عدنا إلى (ليلى) المصرية / البريطانية سنجد أنها عاشت و ترعرت في بريطانيا وتزوجت من بريطاني تحمل اسم عائلته (كانينغاهم) حالياً والأرجح أنها تخلت عن ما يربطها بأصولها العربية المسلمة ما عدا حبها للإنجاب، فهي أم لسبعة أبناء..! والمفارقة أنها بعد أن وفرت لها الهجرة فرصة تأسيس حياة ناجحة في بريطانيا وتكوين أسرة «كبيرة» تقوم وتنضم لحزب يناهض الهجرة والمهاجرين..!
ويفسر بعض الباحثين سلوك كثير من النخب ذات الأصول المهاجرة التي تسعى -عن وعي أو خوف- إلى النأي بنفسها عن المهاجرين الجدد، بل وتبني خطاباً عدائياً ضدهم، بقلق هؤلاء من أن يلحق بهم نفس الوصم السلبي الذي يلاحق القادمين الجدد، أو بخوفهم من فقدان الامتيازات التي حصلوا عليها لغيرهم من مهاجرين.
وهذا السلوك لا يقتصر على بريطانيا، ففي الولايات المتحدة، مثلاً، شهدنا كيف أن نسبة معتبرة من الأمريكيين من أصول لاتينية صوّتوا للرئيس ترامب في انتخابات 2016، مدفوعين بخطابه المناهض للهجرة، في تناقض يشبه ما نراه اليوم في السياسة البريطانية.
من جانب آخر، يتضح أن لندن اليوم مدينة ذات حضور مسلم لا يمكن تجاهله، إلى درجة أن الأحزاب، حتى المعادية للهجرة، تجد نفسها مضطرة لترشيح وجوه مسلمة لمنصب العمدة، في منافسة مباشرة مع عمدة لندن الحالي، (صادق خان)، المسلم المنتمي لحزب العمال الحاكم.
في النهاية، تبقى قصة (ليلى كانينغاهم) مرآة لظاهرة أوسع في الغرب، حيث تتحول الجذور من مصدر فخر واعتزاز إلى عبء يتخلص منه البعض على أعتاب الطموح السياسي والرغبة في الاندماج في المجتمعات الغربية بأي طريقة ممكنة، ومهما كانت التنازلات.