- قد تأخذنا أضواء الحياة في كثير من الأحيان إلى صياغة بعض الاقتباسات من أولئك الذين كافحوا في دروبها، وصنعوا أمجاد الخير، وخاضوا سيلاً من التجارب الحياتية التي تُكتب بماء الذهب. وقد نكتب نحن سطوراً من خبراتنا الخاصة، ويومياتنا، وأثرنا المتراكم، ومشاعرنا وأحاسيسنا التي تتعامل مع تقلبات الأيام، وكأنها تولد من جديد في كل لحظة. فكلها سطور تحمل أثراً وتغييراً في الحياة، وقيماً وخبرات ننقلها للمجتمع، ولأبناء أجيالنا وأجيال الغد المشرق. وإن تكررت أحياناً بنفس المضامين والمشاعر، فإنها تبقى وليدة الحدث ذاته. وهكذا هو ديدن الكاتب، يخط سطوراً من وحي الحياة، يصوغ أحياناً واقعة بفصول مؤثرة، ويكتب أحياناً أخرى من وحي ذاكرته التي تراكمت فيها باقات متنوعة من الذكريات، تأتي تارة على هيئة رسائل متجددة تبعث الأمل في حياتنا، وتصنع ذكرى أخرى جميلة. وهكذا يجب أن تكون مشاعرنا، نعيشها وإن تكررت صورها، لكن لكل صورة مذاقها الخاص ورؤيتها المختلفة.
- سطور أبناء غزة الصابرة الصامدة تتكرر في ذاكرتنا، بل أصبحت سطور أحاديث الأيام التي نتداولها، وسطور الواقع الذي نعيشه. في كثير من الأحيان لم نعد نحتمل وقع الكلمة التي نكتبها في حكايتنا، لأنها تحكي واقعاً أليماً يعيشه شعبٌ صابر مكافح، يعاني صور الدماء والتجويع القاتل. فتأمل الحروف أن تجد مخرجاً وفرجاً عاجلاً، لتكتب سطور نهاية مشرقة مليئة بدفء المشاعر وسعادة الحياة. كلماتنا عن غزة لم تعد كافية، لكنها تبقى جزءاً من واجبنا تجاههم، في ظل انعدام أغلب السبل للوقوف معهم سنداً وعوناً. كلمة «غزة» تبقى للأجيال رمز عزٍّ وفخر واعتزاز وشموخ وإباء، وستظل سطورها أثراً لامعاً راسخاً في جدران قلوب أجيالنا، تعلمهم كيف يعيشون للعطاء، وكيف يتعلمون الصبر، وكيف يحبون أرضهم، وكيف يجاهدون من أجل أرض مباركة، وكيف يستيقنون بمعية الله عز وجل ويتفاءلون بالنصر القريب، وكيف يعين بعضهم بعضاً في أحلك الظروف. هي غزة التي تبدل ثوبها في كل حين، وتكتب ميلاد حياة جديدة، نعيش فصولها وكأننا أمام بحر هائج متلاطم. هنا غزة، في وجداننا وذاكرتنا. فاللهم نسألك لأهل غزة فرجاً قريباً عاجلاً، يتنعمون بعده بالخير والأمان والاطمئنان، ويعودون لإحياء غزة من جديد، وينهضون بها على أكتافهم. وإن رحل من رحل، فسيحمل الراية أجيال اليوم والغد، ومن عاصروا هذه اللحظات وتشبعوا بصورها المؤثرة.
- وفي أحيان أخرى، تصوغ بعض سطور مسيرة خبراتك المتراكمة في شؤون الحياة كافة، وبالأخص تلك المتعلقة بإدارة المشاعر وفنون التعامل، ثم المواقف المرتبطة بإدارة الأعمال، لإيمانك العميق بأهميتها في صناعة إرث مؤثر في حياة الآخرين، أو في تقديم استدلالات لمواقف قد يجد أصحابها صعوبة في التعامل معها، فيستعينون بخبرات الآخرين المتراكمة. من هنا تبقى خبرات الأفراد الناضجة هي المعلم الأول، وبخاصة عندما تتجدد «لقاءات الخبرة» ليستعرض كل صاحب تجربة خبرته في ميدان حياته، فتتولد فصول متكاملة الأثر، تُعلم وتُتعلَّم. وهذا هو المبدأ الأصيل الذي ينبغي أن نسير عليه. فمن باب أولى أن نهتم بإنشاء «بيت الخبرة» في كل ميدان ومؤسسة، يجتمع فيه أصحاب التجارب، وينقلون عصارة خبراتهم للمستجدين في محيط الحياة؛ سواء كان عملاً رسمياً، أو تطوعياً، أو فنوناً حياتية تكسب الآخرين بلا تكلف. فبيت الخبرة هو المكان الأمثل لاستثمار تلك التجارب الناضجة لدى المبدعين الذين صنعتهم الحياة بأعوامها وأيامها.
- أما سطور السعادة والراحة النفسية فهي الأخرى متجددة، نكتبها كل مرة؛ لأننا في حاجة ماسّة إلى أن نعيش مطمئني البال والضمير. سعادة نعيشها مع أهلنا الذين ينتظرون مقدمنا بفارغ الصبر، ليطمئنوا بابتسامتنا المشرقة التي تبعث الراحة في نفوسهم، حين يدركون أننا عدنا إليهم بقلوب مطمئنة لم تنهكها عثرات الحياة ولا إحباطات الآخرين. سعادة نجدها في المسجد الذي نرتاده باستمرار، نصلي فيه بخشوع وطمأنينة، ونجلس نتدارس القرآن مع أحبتنا، ثم نصافح روّاد المسجد الذين أحبونا وأحبوا قربنا وصدق مشاعرنا. سعادة تتجدد بلقاء أحبة رجعوا إلينا بعد طول انقطاع، يسألون عنا ويجلسون لنستذكر معاً سطور الأيام الماضية، فتعود الوصال بسطور جديدة تعيد الألفة. سعادة مع أساتذتنا ومشايخنا من أهل الفضل، ومع إخواننا في الله تعالى، نتسامر في الخير، ونعقد العزم على مواصلة طريقه مهما قست الظروف. سعادة بأثرنا في قضاء حوائج الناس، إذ نزيل كربة، ونفرج هماً، ونعين على نوائب الدهر، فنكون سنداً وعوناً لمن نقدر على الوقوف بجانبه. سطور السعادة ينبغي أن تُكتب في كل حين.. لأننا فعلاً في حاجة إليها.
ومضة أملاللهم اجعلنا من أصحاب الأثر الجميل، الذي إن وقع في ميدان نفع وأثمر.