خلال الأسبوع الماضي تم عقد اجتماع اللجنة الدائمة للعمل الإحصائي لدول مجلس التعاون، وشاركت فيه هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية ممثلة المملكة، وعلى الرغم من كونه الاجتماع الثاني عشر للجنة إلا أنه لم يكن مجرد لقاء دوري، حيث مثّل محطة مفصلية لاستكمال التخطيط الاستراتيجي وتعميق التكامل في الفضاء المعلوماتي الخليجي، وقرأت من بين سطوره رسالة عنوانها أن «دول الخليج تتجه بخطى ثابتة نحو بناء سيادتها المعلوماتية».
وفي رأيي المتواضع فإن النقطة الأكثر أهمية في هذا السياق، هي السعي نحو «الاستقلالية المعلوماتية»، بعدما اعتمدت المنطقة لعقود طويلة على مؤشرات وتحليلات خارجية لتقييم واقعها، وهو الاعتماد الذي يعرضنا لمخاطر استراتيجية، فالمؤشرات الغربية قد لا تكون محايدة دائماً، وقد تُصمم وفق أجندات لا تتوافق بالضرورة مع مصالحنا، وتقدم سردية عن منطقتنا لا تعكس حقيقتها الكاملة.
وبسبب عملي في مجال الاقتصاد وحاجة هذا القطاع للبيانات والمعلومات، فأرى أن هذا التوجّه ليس ترفاً تقنياً، بل هو ضرورة استراتيجية قصوى في عالم اليوم، فلم تعد البيانات مجرد أرقام صماء، بل هي الأصل الأكثر قيمة، وهي اللغة التي تُصاغ بها السياسات وتُبنى على أساسها القرارات المصيرية، ولذلك فإن امتلاك منظومة بيانات خليجية موحدة ومتكاملة يعني القدرة على قراءة الواقع من منظور الأعراف والظروف الخليجية، واستشراف المستقبل بواسطة أهله «الأدرى بشعابه».
وفي قراءة للأرقام الصادرة عن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون، نستطيع أن نلمس قوة اقتصاداتنا بالنسبة للعالم، حيث بلغ الناتج المحلي الخليجي 2.2 تريليون دولار في 2024، وهناك أكثر من 57.6 مليون نسمة من مواطني دول المجلس، منهم ما يقارب 9.6 مليون طالب في مقاعد الدراسة (خلال عام 2023)، ومنطقة تتوسط تجارة العالم بين الشرق والغرب، وبلغ إجمالي صادراتها السلعية في 2023 حوالي 823.1 مليار دولار، ومجموع أصول البنوك التجارية العاملة فيها 3,527.0 مليار دولار في عام 2024.
لا يجب أن يُنظر إلى الإحصاءات الخليجية بنظرة متفرقة، لأنها في حقيقتها شبكة من البيانات المترابطة التي تتيح لنا الإجابة على أسئلة جوهرية كثيرة، وأهم إجابة واستنتاج من هذه البيانات، هو أننا في حاجة لبناء قاعدة بيانات خليجية مستقلة، نابعة من أجهزتنا الإحصائية الوطنية وبإشراف المركز الإحصائي الخليجي الذي قدم 83 مهمة دعم فني للدول الأعضاء العام الماضي، وبما يمنحنا القدرة على امتلاك سرديتنا الخاصة، وصورة حقيقية عن إنجازاتنا وتحدياتنا، لنتمكن من بناء قراراتنا على أساس من الثقة والموثوقية، بعيداً عن أي تأثيرات خارجية.
يؤكد الاجتماع الإحصائي الخليجي الأخير على وجود تحرك منسق بين الأشقاء، وأن قادة المنطقة يدركون تماماً أن البيانات هي «نفط المستقبل» وأن السيادة المعلوماتية هي حجر الزاوية في بناء اقتصادات مستدامة ومجتمعات معرفية قادرة على المنافسة عالمياً، ولذلك لا يعتبر الاجتماع مجرد خطوة تقنية، بل أساساً لتمكين القرار الخليجي، وركيزة صلبة لمستقبل أكثر ازدهاراً.