تزداد منصّات التواصل الاجتماعي امتلاءً بالصور المُنشأة بواسطة الحاسوب، حيث تظهر وجوه معدّلة ومحتوى بصري غريب يحصد آلاف التفاعلات رغم طبيعته الاصطناعية.
ومع تكرار مواجهة المستخدمين العاديين لهذه المنشورات الآلية إلى جانب المحتوى الحقيقي، برزت ملاحظات تفيد بأن البيئة الرقمية قد تغيّرت عمّا كانت عليه في السنوات السابقة حين كان المحتوى البشري يهيمن على الفضاء الإلكتروني.
هذا التحوّل في تجربة الاستخدام أثار نقاشات أوسع حول ما يُعرف بين الباحثين بـ»نظرية الإنترنت الميت»، التي تفترض أن الروبوتات والذكاء الاصطناعي يشكّلان اليوم جزءاً كبيراً من النشاط الشبكي مقارنةً بالمحتوى البشري.
وقد بدأت هذه النظرية كفكرة هامشية في منتديات عام 2021، لكنها اكتسبت اهتماماً متزايداً مع تطور الذكاء الاصطناعي واتساع نطاق استخدامه.
الأدلة الإحصائية المستندة إلى مصادر بيانات متعددة تدعم هذا الطرح؛ إذ وثّقت شركة Imperva للأمن السيبراني ارتفاع حركة المرور الناتجة عن الروبوتات من 42.3% عام 2021 إلى 49.6% في عام 2023. وتشير البيانات الحالية إلى أن الأنظمة الآلية أصبحت ولأول مرة مسؤولة عن أكثر من 50% من التفاعلات عبر الإنترنت.
ويضاف إلى ذلك ما كشفه مركز Pew للأبحاث من أن 38% من الصفحات البشرية المنشأ منذ 2013 قد اختفت نتيجة «تعفّن الروابط»، ما يعكس تراجع المحتوى الأصلي مقابل ازدياد نظيره المُولّد آلياً.
ويكمن المحرك الرئيس لهذه التحولات في ثورة تكنولوجية غير مسبوقة؛ فقد عزّزت أدوات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، مثل النماذج اللغوية الكبيرة ومولّدات الصور، قدرات إنتاج المحتوى بوتيرة مذهلة. هذه التطورات خفّضت عتبة الدخول أمام إنتاج محتوى يبدو احترافياً، ممهّدة الطريق أمام ما يصفه الباحثون بـ»مصانع المحتوى المؤتمت».
وعلى الصعيد الاقتصادي، يتماشى هذا المسار مع نماذج عمل منصّات التواصل الاجتماعي القائمة على الإعلانات، حيث يُترجم انتباه المستخدمين مباشرةً إلى عائدات. ومن ثمّ، فإن المنشورات الآلية التي تحصد تفاعلاً مرتفعاً تصبح ذات جدوى ربحية، ما يدفع إلى تطوير أنظمة مؤتمتة لإنتاج المحتوى والترويج له وتضخيمه.
وبفضل هذه الحوافز الاقتصادية، يتسم المحتوى المُولّد بالذكاء الاصطناعي غالباً بدمج عناصر رائجة أو موضوعات شائعة تعظّم فرص التفاعل. وبينما قد يبدو هذا المحتوى غير ضار للمستخدم العادي، فإنه يعكس تحوّلاً جوهرياً في طريقة ابتكار المعلومات وتوزيعها عبر الشبكة، حيث باتت العمليات الخوارزمية تؤثر بشكل متزايد فيما يراه المستخدم عند التصفح.
يثير تداخل التطورات التكنولوجية والاقتصادية تساؤلات عميقة حول أصالة المحتوى والمستقبل الذي ينتظر الفضاء الرقمي. فمع تزايد الاعتماد على الأتمتة في عمليات الإنتاج، يتواصل تغيّر نسبة المحتوى البشري إلى نظيره الاصطناعي بوتيرة سريعة، بما يغيّر في جوهر التفاعل الرقمي.
ورغم بقاء التواصل الشخصي بين الأفراد قائماً على العنصر البشري، إلا أن التحوّل الأوسع يبدو غير قابل للعودة، حيث يستمر إنتاج المحتوى المؤتمت في التوسع ليعيد تشكيل مسارات تدفق المعلومات عبر الشبكات الرقمية. هذا التطور يمثّل تحولاً بالغ الأهمية في كيفية إنتاج واستهلاك المحتوى، بما يغيّر جذرياً طبيعة التفاعل الإلكتروني لمستخدمي الإنترنت حول العالم.