في إطار جهود تعزيز الأمن المالي والمؤسسي، أعلنت مملكة البحرين عن إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال، تمويل الإرهاب، وانتشار التسلّح للفترة 2025-2027. حيث تُعد هذه المبادرة خطوة محورية تعكس التزام المملكة بتعزيز الشفافية والحوكمة، وتُرسّخ موقعها كلاعب فاعل ضمن المنظومة الدولية للتصدي للجرائم المالية.

آثار هذه الاستراتيجية تمتد لتشمل عدة مستويات. فعلى الصعيد الاقتصادي، من المتوقع أن تعزز ثقة المستثمرين بالنظام المالي البحريني، وتُظهر جدية الدولة في حماية بيئة الأعمال من أي أنشطة غير قانونية. كما أن الوقاية من جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب تُسهم في حماية المؤسسات من التورط في شبهات قد تضر بسمعتها أو تُعرضها لمخاطر قانونية وأمنية. وتأتي هذه الإجراءات في سياق دولي يتطلب تعاوناً مستمراً لمواجهة التهديدات العابرة للحدود. وزارة الداخلية تلعب دوراً ريادياً في تنفيذ هذه الرؤية، بقيادة معالي وزير الداخلية معالي الفريق أول الشيخ راشد

بن عبدالله آل خليفة، حيث تعتمد الوزارة نهجاً عصرياً يجمع بين استخدام التكنولوجيا الحديثة وتطبيق مبادئ الحوكمة والابتكار. ومن بين المبادرات الملموسة التي أُطلقت في هذا الإطار تطوير أنظمة الحكومة الإلكترونية، تدشين مختبرات للابتكار، وتوسيع نطاق خدمات الهوية الرقمية. وتؤكد هذه الخطوات على أن المواطن والمقيم شريكان في بناء منظومة أمنية متكاملة، لا مجرد متلقين للخدمة.

كما أن الاستراتيجية الجديدة تُعزز من التعاون مع الشركاء الدوليين، في ظل تزايد تعقيد الجرائم المالية وتشعبها عالمياً. وتُسهم التزامات البحرين بالمعايير الدولية في تحسين تصنيفها الرقابي والمالي، وترسيخ مكانتها كشريك موثوق في مجال الأمن الاقتصادي.

ورغم التحديات المرتبطة بتطور أساليب الجريمة وضرورة بناء كوادر متخصصة وتطوير أدوات رقابية متقدمة، فإن المؤشرات تدل على وجود إرادة سياسية وفنية واضحة تدفع بهذه الاستراتيجية نحو تحقيق أهدافها. وتُعد هذه الخطة تحركاً استباقياً يسعى لضمان بقاء البحرين نموذجاً للاستقرار والأمان، واقتصادها محصناً من التهديدات المالية.

وإلى جانب الأهداف الأمنية والاقتصادية، تحمل هذه الاستراتيجية بُعداً تنموياً مهماً، يتمثل في بناء ثقافة مجتمعية واعية بمخاطر الجرائم المالية وأثرها السلبي على الدولة والمجتمع. إذ تُولي البحرين اهتماماً خاصاً ببرامج التوعية والتثقيف التي تستهدف مختلف الفئات، من مؤسسات القطاع المالي إلى الأفراد، وذلك بهدف تعزيز مبدأ الشفافية والمسؤولية المشتركة. ويُعد إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في تنفيذ الاستراتيجية عنصرا جوهرياً لضمان استدامة النتائج، وخلق بيئة وطنية منيعة في مواجهة أي محاولات لاستغلال النظام المالي في أنشطة غير مشروعة.

هذه الاستراتيجية لا تُعتبر مجرد استجابة لحالة آنية، بل رؤية مستقبلية تُكرّس الشفافية والنزاهة، وتُؤكد على أن أمن المواطن واستدامة المؤسسات يقعان في صميم أولويات الدولة.