بين أروقة نادي ضباط الشرطة في المنامة، حيث تتداخل ملامح الجدية والتفاؤل، انطلقت الأحد 14 سبتمبر 2025 الاستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح (2025 - 2027)، كعهد جديد ووعد باقتصاد أكثر أمناً واستقراراً لكل مواطن ومستثمر على أرض المملكة.

في هذا المشهد المهيب، وقف معالي وزير الداخلية معالي الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، ليسلط الضوء على ما هو أبعد من الإجراءات التقنية، معتبراً هذه الاستراتيجية «ركيزة أساسية لبناء الاقتصاد الوطني»، وهي كلمات تحمل في طياتها وعياً عميقاً بأن حماية الاقتصاد هي في صميمها حماية للكرامة الإنسانية والأمن المعيشي للشعب.

الحضور الرسمي الرفيع كان رسالة قوية مفادها أن هذه المعركة هي معركة الجميع، فبجانب معالي وزير الداخلية، وقف معالي وزراء المالية والاقتصاد الوطني، وشؤون الدفاع، والعدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، والإعلام، والنائب العام، في لوحة تجسّد الإرادة السياسية الشاملة التي لا تترك ثغرة للفساد أو الإرهاب.

هذا التكامل بين القطاعات يذكّرنا بأن جريمة غسل الأموال ليست مجرد رقم في حساب، وإنما هي نشاط سريع الانتشار كالسرطان، يقوض فرص الشباب في العمل المشروع، ويهدّد أمن العائلات، ويشوّه نقاء المجتمع، وهو ما جعل من هذه الاستراتيجية ضرورة إنسانية قبل أن تكون اقتصادية.

وفي قلب هذه المنظومة المتكاملة، يبرز دور حيوي لا يقل أهمية، وهو دور المركز الوطني للتحريات المالية برئاسة سعادة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة حيث تتحول البيانات إلى قصص مالية يمكن قراءتها، ويصبح العمل الاستخباراتي المالي هو البطل الخفي الذي يحمي مدخرات المواطن البسيط من أن تذوب في تيارات الأموال القذرة.

ويأتي تصريح الشيخة مي بنت محمد آل خليفة بأن «الاستراتيجية تجسّد التزام البحرين بتعزيز منظومة المكافحة» ليس كشعار، بل تعهد عملي بأن كل تحويل مالي مشبوه، وكل استثمار غامض، سيكون تحت المجهر، حماية للبائع في سوق المنامة، والتاجر في المحرق، والموظف في مدينة حمد».

هذه الرؤية المتكاملة، التي تنسج خيوطها بين القطاعات الأمنية والاقتصادية والقضائية، لم تأتٍ من فراغ، إنها ثمرة الرعاية الملكية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، والمتابعة الحثيثة من قبل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله.

إنها استراتيجية لا تفصل بين الأمن والاقتصاد، لأن البحرين تدرك أن مستقبلها يعتمد على اقتصاد نظيف، يجذب الاستثمارات العالمية، ويوفر فرص العمل، ويبني ثقة المواطن في أن أمواله ووطنه في مأمن من براثن الجريمة المنظمة. إنها، في النهاية، تحول البحرين إلى قلعة منيعة لا يقوى عليها غاسلو الأموال أو ممولو الإرهاب، وهي رسالة طمأنينة لكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة.