في زمنٍ تتزاحم فيه التحديات وتضيق فيه الخيارات، قلّما يخرج مشروع وطني ليقلب معادلات الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد في آنٍ واحد. إلا أن المملكة العربية السعودية -بقيادتها ورؤيتها- فعلت ذلك. فهي لا تكتفي بإصلاح الماضي، بل تبني المستقبل على أنقاض التوقعات التقليدية.

منذ سنوات، كان الحديث عن التغيير في الخليج يُقابل بشيء من الشك في الأوساط الغربية. لكن اليوم، تُصبح الرياض مرجعاً لا يُمكن تجاهله في تحليل تحولات الشرق الأوسط، ليس فقط لأنها تُعيد ترتيب بيتها الداخلي، بل لأنها تفعل ذلك بسرعة، وبصمتٍ محسوب، وبتصميم لا يعرف التردد.

- من النفط إلى الطموح: رؤية 2030 لم تكن مجرد بيان طموح. بل كانت -ولاتزال- خريطة طريق دقيقة، تعكس فهماً نادراً لتحديات المستقبل. لقد شهدت المملكة انتقالاً مدروساً من اقتصاد يعتمد على الهبات الريعية إلى اقتصاد إنتاجي، قائم على الابتكار، والتقنيات النظيفة، والشراكات العالمية.

«نيوم» و«ذا لاين» ليسا فقط مشاريع عمرانية، بل اختبار لقدرة المنطقة على استيعاب مفاهيم المدن المستقبلية – بيئة مستدامة، ذكاء اصطناعي، ورفاهية موجهة للإنسان.

من كان يتوقع أن تتحول المدن السعودية إلى مسارح للإبداع؟ السينما، الموسيقى، المسرح، وحتى سباقات السيارات و«الفورمولا1»، باتت اليوم جزءاً من الحياة اليومية. والمرأة، التي كانت يوماً هامشاً في التصورات النمطية، أصبحت اليوم فاعلة، قائدة، ومشاركة في كل المشاهد.

هذه ليست «ليبرالية استيرادية»، بل صيغة محلية لهوية جديدة.. أكثر انفتاحاً، دون فقدان الجذور.

- دبلوماسية التأثير: في السياسة الدولية، لم تعد الرياض مجرّد طرف يُستشار، بل باتت مركز تأثير يُعاد حوله رسم الخرائط. من الوساطات بين روسيا وأوكرانيا، إلى مبادرات السلام في السودان واليمن وسوريا، تؤكد السعودية أنها في قلب الحدث.

لكن الأهم، هو دعمها الصريح والمستمر للقضية الفلسطينية، ومساهمتها الفاعلة في تعزيز الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، ما أعاد الزخم إلى الملف الفلسطيني وأكد أن الرياض لا تتخلّى عن ثوابت الأمة.

السعودية اليوم تُدير التوازنات الإقليمية، ولا تنتظرها. إنها قوة دبلوماسية ناعمة، تصوغ مستقبل المنطقة بمزيج من الحكمة والفاعلية.

- حجر الزاوية: ربما أعظم ما حققته المملكة خلال العقد الأخير، ليس في الأبراج، ولا في المؤتمرات، ولا حتى في الاتفاقيات المليارية.. بل في بناء وعي جمعي جديد: أن التحديث ضرورة، وأن المستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع.

اليوم الوطني السعودي لم يعد مناسبة احتفالية فحسب، بل شهادة ولادة لرؤية قررت ألا تساوم على الطموح.

هذا هو الفرق بين الدول التي تتفاعل، وتلك التي تقرر.

وبين من يتغير مضطراً.. ومن يصنع التغيير بإرادته.