عندما ترفع دعوى قانونية في المحاكم، تأخذ في العادة وقتاً طويلاً، ليس غايته تعطيلك، أو أن أعضاء الجهاز القضائي لا ينجزون أعمالهم، لكن الهدف هو ضمان الوصول إلى حكم صحيح وعادل، خالٍ من أي خطأ إجرائي، ولا يظلم أي طرف من الأطراف، فالتأخير هو ثمن ضمان النزاهة وحقوق الدفاع.

لكن إذا كنت من الذين لا يطيقون الانتظار، وتعتقد أن العدالة تفقد معناها بالتأخير، في حين أنك تحتاج إلى حكم فوري يصدر قبل أن تبرد قهوتك، فيحزنني أن أقول لك، هناك مؤسسة قضائية أكثر تطوراً ظهرت في السنوات الأخيرة في العالم، تقدم خدماتها على مدار الساعة، لا تحتاج إلى محامين مؤهلين قانونياً يرتدون روب المحاماة، ولا إلى قضاة يتسمون بالرزانة ورجاحة العقل، بل ولا تحتاج إلى مستندات تدعم قضيتك، كل ما تحتاج إليه اتصال بالإنترنت، وتأكد أن خصمك سيكون مذنباً ولن يحظى باستئناف وسيبقى مذنباً حتى يظهر «ترند» جديد يشغل الناس عنه، إنها محكمة السوشيال ميديا، ولتعرف بناءها التنظيمي وآلية عملها، إليك الآتي: أولاً، دائرة الاستخبارات والتحقيقات وهذه تمثلها منصة X «تويتر سابقاً» وكذلك منصة انستغرام، وهنا يأتي دورك الأول والأخير، حيث ترفع الدعوى والتي في الغالب تكون على شكل صورة تلتقطها أو لقطة شاشة، وبالتأكيد لن تأخذها بسياقها الكامل إنما يكفي جزء منها تثير به الغضب، تكتب تحتها منشوراً مؤثراً تستخدم فيه عبارات مثل «كارثة» «فاجعة» أو غيرها، المهم عبارات دارمية، فهذه تمثل صياغة الدعوى بالنسبة لك، تختمها بهاشتاغ مثل «#محاكمة_فلان» أو «#إلى_أنظار_الشرفاء»، بعدها ابدأ بشرب القهوة واستمتع بالعدالة وهي تأخذ مجراها، حيث ستبدأ دائرة الاستخبارات والتحقيقات مباشرة عملها على الفور، ممثلة بجيش من المتطوعين الذي سيتولون الغوص في حسابات خصمك على مواقع التواصل وعلى المواقع الإلكترونية إن كان شخصية عامة، وسيتولون خلال دقائق «نبش» تاريخه الرقمي، ليشاركوا ويلتقطوا صوراً لمنشورات قبل عشر سنوات، فيحصلوا على تغريدة عبر فيها عن رأيه بعدم إعجابه بأكلة شعبية معينة، فتقدم على أنها عدم ولاء، أو منشور انتقد فيه سلوكيات اجتماعية، ليقدم دليلاً على اضطرابه النفسي، وسرعان ما تجمع أدلة إدانته، بعدها تنتقل أوراق القضية إلى دائرة أخرى في هذه المؤسسة القضائية الحديثة وهي ديوان الشهود، وغالبا ما تكون منصة واتس اب، قلب المحكمة النابض، وهنا تنتشر شهادات من زميل قديم من مرحلة الابتدائية لم يكن يستظرفه، الذي لن يتوانى عن الإدلاء بشهادته المهمة كونه يعرفه جيداً، وشهادة أخرى من زميل عمل، يعبر فيها عن إحساسه بعدم نظافة يد المتهم، وربما يكتب بعض الأقارب عن تغيره في الفترة الأخيرة، بعد ذلك أو خلاله، تبدأ الدائرة الثالثة عملها وهي دائرة المداولات قبل النطق بالحكم، ممثلة بقسم التعليقات على المنشور الأول، وهناك تقرأ الأحكام الأولية والانتقادات، وعادة ما تكون من نوع «هذه ليست من عاداتنا وأصولنا» و «هذي ليست من أفعال أبناء الأصول» تعليقات مشفوعة بالرموز التعبيرية «الإيموجي» وبعدها يأتي عمل الدائرة الرابعة والأخيرة وهي منصة نطق الحكم، الذي يكون في العادة عبارة عن مجموعة من «الهاشتاغ» تحمل عبارة الإدانة المختلفة، التي تحول الخصم إلى منبوذ.

في النهاية هذه المحكمة تخلي مسؤوليتها عن تدمير سمعة الخصم، أو خسارة عمله، أو الإساءة له اجتماعياً، لكن على كل فرد يجد نفسه في يوم من الأيام في إحدى هذه الدوائر أن يسأل نفسه سؤالاً واحداً قبل أن يكون له أي دور يتحمس له في هذه المؤسسة القضائية الحديثة، هل أبحث عن تحقيق العدالة حقاً، أم سيكون الأمر للتسلية فقط؟ لأن ذلك سيكون على حساب شخص آخر أو حتى مؤسسة.

* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية