د. سهير بنت سند المهندي

إذا كان عام 2023 هو عام الانبهار بالذكاء الاصطناعي، فإن عام 2025 يبدو وكأنه عام المحاسبة، عام تهاوت فيه أوهام الحياد الرقمي، وارتفعت فيه أصوات القانون فوق ضجيج الخوارزميات، ثلاث قضايا قانونية كبرى في أسبوع واحد فقط بالولايات المتحدة أعادت رسم ملامح العلاقة بين الإنسان والآلة، وطرحت سؤالاً عالمياً أكثر خطورة من أي وقت مضى: من يراقب من؟ الإنسان يراقب الذكاء الاصطناعي.. أم العكس؟

في كاليفورنيا، سُطرت قواعد قضائية غير مسبوقة تُقيد دخول الذكاء الاصطناعي إلى أروقة المحاكم، تمنع إدخال البيانات الشخصية دون إذن صريح، وتفرض التحقق البشري على كل مخرجات الآلة، وكأن القاضي بات يوقع بجانب توقيع «الروبوت».. توقيع يحمل برودة الحسابات وصمت الشرائح الإلكترونية، لكنه مُحاصر بسياج القانون الإنساني.

وفي مشهد آخر يذكّرنا بأيام صراع الفن مع التقنية زمن «Napster»، تواجه شركة Anthropic دعوى جماعية بعد اتهامها باستخدام ملايين الكتب المقرصنة لتدريب نموذجها الذكي، لتعود بنا إلى السؤال القديم الجديد: هل الإبداع ملك للخيال البشري وحده أم أن الآلة صارت وريثًا غير شرعي؟ أما شركة Tempus AI، فتلقت صفعة أخرى من المستثمرين أنفسهم، متهمين إياها بخداعهم ببيانات محاسبية مُضللة وشراكات ضبابية، لتصبح القضية درسًا في أن الذكاء الاصطناعي قد يكون ذكياً في تضليل الحقائق كما في حل المسائل.

المشهد صار واضحاً: لم يعد الذكاء الاصطناعي يحلّق في فراغ قانوني، نحن في زمن المساءلة الذكية، حيث تتشابك الأسلاك مع نصوص التشريع، وحيث يُكتب القانون بمداد التقنية كما يُكتب بالكلمات.

أما في مملكة البحرين، فلم ننتظر أن تصلنا رياح الغرب محملة بتشريعاته؛ بل أطلقت هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية السياسة الوطنية للذكاء الاصطناعي، وتبنت الميثاق الخليجي لأخلاقيات التقنية، في خطوة لا تكتفي بوضع قواعد، بل تؤسس لفلسفة رقمية تستلهم القيم الخليجية، ومبادئ الشريعة الإسلامية، وروح الهوية الوطنية، إنها ليست مجرد لوائح، بل بيان موقف: أن يكون مستقبلنا ملكاً لنا، لا منحةً من الآخرين.

لكن يبقى السؤال الأعمق: هل سنكتفي باستيراد القوانين وتكييفها، أم سنملك الجرأة على صياغة تشريعات مبتكرة تصدّر للعالم تجربتنا؟ فالمعركة لم تعد بين الخيال العلمي والواقع، بل بين ضمير يزن، وقانون يحدد، وسرعة آلة لا تعرف الرحمة.

إن التاريخ لا يكتبه المتفرجون، بل من يجرؤون على وضع النقطة الأولى في سطر المستقبل، ومع الذكاء الاصطناعي، إما أن نكون نحن من يكتب قصتنا.. أو نصبح مجرّد سطر في قصة يكتبها غيرنا.