- مع تسارع وتيرة الحياة وتغير أنماطها، بات واضحاً أن شريحة من المجتمع انجرفت وراء تقليد الآخرين في السلوك والكلام والمظهر وحتى في القيم الأخلاقية. بعضهم تحول إلى نسخة مطابقة لما يقلده، وآخرون ظهر بينهم التناقض والاختلاف. غير أن الخطر الحقيقي يكمن في أن تصبح هذه الممارسات عادة تنتقل إلى الأجيال القادمة، فتفقد هويتنا شيئاً فشيئاً لصالح نماذج دخيلة لا تمت لأصالتنا بصلة.

- التقليد لم يعد مقتصراً على الملابس أو الأحاديث، بل تجاوز ذلك ليشمل أنماط الحياة واللغات والعادات اليومية، بل وحتى الأديان في بعض الحالات. المشكلة أن هناك من لا يتقبل ذاته ولا يعتز بجذوره، فيسعى جاهداً ليكسب إعجاب الآخرين، ولو كان الثمن التخلي عن قيمه وموروثه. والحقيقة أن الإنسان يصبح أكثر تميزاً عندما يحافظ على أصالته، لا عندما يذوب في دوامة التقليد الأعمى.

- القيم والمبادئ الأصيلة تظل السلاح الأقوى الذي يرافق المرء أينما ارتحل. فمن يمثل وطنه في الخارج بزيه التقليدي ولغته ولهجته سيُعرف بسهولة ويُقدّر لانتمائه. أما من يتشبه بالآخرين، فيفقد هويته ويفقد معها احترام الآخرين له، لأنهم لن يعرفوا أصله ولا انتماءه، فيتحول إلى شخص بلا ملامح، لا يُحسب له حضور حقيقي في الداخل أو الخارج.

- واجبنا تجاه أبنائنا أن نغرس فيهم روح الانتماء، ونُعرّفهم بموروث أجدادهم وإنجازاتهم، ونورثهم القيم التي نفتخر بها جيلاً بعد جيل. فهذا الإرث هو صمام الأمان الذي يحفظ أصالتنا ويجعلنا متميزين وسط عالم يتسابق على التشبه. صحيح أن مهمة التربية ليست سهلة، لكن كلما بُنيت النشأة على أسس راسخة، كلما نما جيل واثق بهويته ومعتز بخصاله.

- إننا لا نقف ضد العلم والانفتاح والسعي للتطور، بل نؤمن بأهميته، شرط أن يقترن بالحفاظ على الذات. فكلما امتلكنا ما يميزنا عن الآخرين، كنا أقدر على ترك بصمتنا الخاصة. والتاريخ مليء بأمثلة لشعوب تمسكت بعاداتها وقيمها، فأصبحت نادرة في تفردها ومحل إعجاب العالم. ونحن أيضاً قادرون على أن نصبح نموذجاً يحتذى به، إذا وازنا بين التقدم والأصالة، وجعلنا من هويتنا جسر عبور إلى المستقبل.