في البحرين لا تُعلَّق الأحلام على الجدران؛ بل تُترجَم إلى أرقامٍ تُلمَسُ بالأيدي وتُرى بالعيون. هذه هي «طريقة البحرين» التي أرسى قواعدها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وأدار تنفيذها بإيقاعٍ منضبطٍ صاحبُ السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله: رؤيةٌ بعيدة المدى، ومؤسساتٌ تتقن الانضباط، وكفاءاتٌ وطنيةٌ في «فريق البحرين» حوّلت الطموح اليومي إلى ثقافةِ إنجازٍ متّصلٍ لا يعرف الانقطاع.
ومن قلب هذه الفلسفة، خرج البرتقاليُّ من حلبة السباق إلى واجهات المدن، يوم تُوِّج «مكلارين» المملوك لـ«ممتلكات» بلقب العالم للصانعين للمرة الثانية تواليًا، وقبل ستّ جولاتٍ من خطّ النهاية. لم يكن ذلك فوزاً على حلبةٍ فحسب؛ كان بياناً اقتصادياً مكتمل الأركان: حوكمةٌ رشيدةٌ للأصول السيادية، وإدارةٌ تنافسيةٌ للعلامة، وقدرةٌ على تحويل الرياضة إلى منصّةِ قيمةٍ مضافةٍ للسياحة والسمعة والاستثمار. وقد حقّق الفريق 12 انتصاراً، و7 ثنائيات، واعتلى منصّات التتويج 28 مرّةً خلال موسمٍ واحد؛ أرقامٌ تصف دقّةَ التنظيم بقدر ما تعكس جودةَ القرار.
وبين ضجيج المحرّكات ونبض الأسواق، ينساب منحنى الناتج ليُثبت أن التنويع ليس شعاراً بل واقعاً يُدار. ففي الربعِ الثاني من عام 2025 نما الاقتصاد الحقيقي بنسبة 2.5%، وقاد القطاع غير النفطي المشهد بنسبة 3.5% وبمساهمةٍ بلغت 85.2% من الناتج بالأسعار الثابتة. وقفزت الأنشطة المهنية والعلمية والتقنية بنسبة 12%، وتوسّعت تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 6.7%، ونمت العقارات بنسبة 4.7%، فيما ارتفع رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 5.4% ليبلغ 17.5 مليار دينار. هذه لغةٌ صريحة تقول إن البحرين تقلّل حساسيتها لدورات النفط، وتُراكم فرصاً نوعيةً للعمل والإنتاجية.
ويأتي أداء «مجلس التنمية الاقتصادية» ليضيفَ بُعداً مستقبلياً إلى لوحة الأرقام: 1.52 مليار دولار استثماراتٍ مباشرةٍ في تسعة أشهر عبر 75 مشروعاً؛ 43% منها استثماراتٌ جديدة و57% توسعاتٌ لشركاتٍ قائمة، مع أثرٍ متوقّعٍ بأكثر من 4300 وظيفةٍ خلال ثلاث سنوات. تصدّرت السياحة، وتلتها الخدمات المالية، فيما تتحفّز القطاعات الناشئة لتكون موجةَ النموّ المقبلة. هذه محفظةٌ لا تُدار ببعثرة الجهود، بل بروحِ الفريق الواحد وجهودٍ جماعيةٍ منسجمةٍ تُحسن اختيار الأولويات ومراقبة العائد.
ولا تكتمل سردية التميّز من دون التعليم؛ إذ حصدت البحرين المركز الأوّل عالمياً في برنامج «مدارس مايكروسوفت الحاضنة للتكنولوجيا» لعام 2025، بتصنيف 130 مدرسةً بحرينية ضمن 954 مدرسةً من 60 دولة. ليس ذلك وسامًا على صدر التعليم فقط؛ إنّه استثمارٌ راسخٌ في رأس المال البشري، يختصر المسافة بين الفصلِ الدراسي وسوق العمل، ويغرس في الناشئة مهاراتٍ رقميةً تُغذّي بدورها بيئة الأعمال وتُسرّع الابتكار.
وعلى صعيد المؤشرات الدولية، تُمنح البحرين شهاداتِ اعتماد عالمية موثوقة: تصدّرٌ عربيّ في «القانون والنظام» وفق تقرير غالوب للسلامة 2025، وقفزةٌ بعشرة مراكز في «المؤشر العالمي للابتكار»، وحضورٌ ضمن الخمسة الأوائل عالميًا في «أداء الاستثمارات الخضراء (غرينفيلد)»، وتقدّمٌ في «مهارات المال» ضمن تصنيف المواهب العالمية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD). وعلى خطّ إنفاذ الحقوق، حافظت البحرين للعام الثامن توالياً على الفئة الأولى في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لمكافحة الاتجار بالأشخاص؛ منظومةٌ قانونيةٌ وإجرائيةٌ تُثبت أن التنمية والكرامة الإنسانية وجهان لعملةٍ واحدة.
لذلك، فإن إنجازات البحرين تُكتب بإيقاعٍ متّصل: رؤيةٌ ملكيةٌ تُحدّد الاتجاه، وقيادةٌ تنفيذيةٌ تُحوّل الرؤية إلى مؤشّرات، وفريقٌ وطنيٌّ يُتقنُ الصناعةَ اليوميةَ للمنجز. وما بين حلبةٍ وفصلٍ دراسي، تتبلور القاعدة الذهبية: أن تبقى البلاد في حالة «استعدادٍ دائمٍ للغد»؛ تُحافظ على القانون؛ لأنّه يضمن الازدهار، وتستثمر في الإنسان؛ لأنّه ضمانةُ الاستمرار، وتُراكم الثقة لأنّها العملةُ الأعلى قيمةً في عالمنا اليوم. تلك هي البحرين حين تُخاطب العالم: لغةُ إنجازٍ يفهمها الجميع، ونعيشها لحظةً بلحظةٍ.