جاء الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، في افتتاح دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي السادس، بوصفه وثيقةَ اتجاهٍ وميزانَ أولويات، ليرسم إطارًا للقيم ومستقبلًا يُصاغ على هدي الدستور وميثاق العمل الوطني بالبناء على التجربة البحرينية في الحكم الرشيد القائمة على الشريعة والشورى والعدل والإحسان. هذا الانسجام بين الإرث والحداثة هو مفتاح قراءة المرحلة المقبلة.
وعلى هذا الأساس الراسخ، انطلق الخطاب لتثبيت قاعدة العمل المشترك بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بإشراف صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، مُثمنًا هذا التعاون الذي أثمر تشريعاتٍ نوعيةً تلبي الطموحات الوطنية؛ وفي مقدمتها التعديلات المرتقبة على قانون تنظيم الصحافة والطباعة والنشر بما يعزز القيمة الدستورية لحرية الرأي والتعبير ويرفع مكانة الإعلام الوطني. هنا تتجلّى الرؤية الملكية لإعلامٍ مسؤولٍ وعصريّ يواكب التّحول الرقمي.
وبموازاة ترسيخ قواعد العمل المؤسسي، وضع الخطاب الإنسانَ البحريني في قلب معادلة التنمية: فهو الثروة الحقيقية وواجهة الوطن المتحضرة، وهو المستفيد الأول من كل سياسة ومشروع. وفي هذا السياق جاءت الإشادة بالمبادرة التي أعلنها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لتوسيع الخيارات الوظيفية للباحثين عن عمل بالشراكة مع غرفة تجارة وصناعة البحرين والقطاع الخاص، بما يرفع المشاركة الوطنية في سوق العمل ويحوّل التمكين الاقتصادي إلى ممارسة يومية. رسالة واضحة بأن التنمية فعلُ مجتمعٍ ودولةٍ معًا لا برنامجُ حكومةٍ وحدها.
أما أولويات المرحلة، فتنطلق من صيانة الهوية الوطنية الجامعة ورفض مظاهر التعصّب والولاءات الخارجية، ثم المضيّ في مسار التطور العلمي والمعرفي المؤدي إلى التمكين والتنويع الصناعي والإنتاجي؛ مع التوظيف الأمثل لتقنيات الذكاء الاصطناعي في التعليم والصحة والتصنيع والتنمية الحضرية، والاستثمار في الطاقة المتجددة، واستكشاف الفرص في الفضاء، وحفظ الثروات الطبيعية من البيئة الفطرية والزراعة إلى الموارد البحرية، وصولاً إلى صون تجارة اللؤلؤ التي قرنت اسم البحرين بالأصالة.
ويربط الخطابُ هذه الأولويات برأس مالٍ بشريٍّ شاب: إذ أثنى جلالته، أيده الله، على إسهامات الكوادر البحرينية الشابة التي تحظى بمتابعة ودعم سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، وفي صدارتها الإطلاق الناجح للقمر الصناعي البحريني «المنذر»؛ بما يؤكد جاهزية الكفاءات الوطنية لقيادة التحول العلمي والاقتصادي وتحمّل المسؤولية عبر فرصٍ أوسع للتدريب والعمل، ليغدو الإنجاز ثقافةً مؤسسية.
وعلى خطّ السياسة الخارجية، جدّد الخطاب التزام البحرين بالسلام العادل والشامل، ووضع القضية الفلسطينية في صدارة أولويات المملكة خلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن (2026–2027)، مؤكّداً حلَّ الدولتين سبيلاً لأمن المنطقة وازدهارها، ومثمناً جهود الوسطاء في وقف الحرب في غزة. وفي هذا السياق، جاءت مشاركةُ جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه في قمة شرم الشيخ للسلام امتدادًا لدوره المستمر في دعم الجهود الرامية إلى إنهاء النزاعات وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وترجمةً لدعوته السامية -منذ اندلاع الحرب في غزة- لعقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط.
كما وضع الخطابُ الأمنَ الشامل في منزلة الركيزة التي لا تقوم التنمية بدونها، فأشاد بجاهزية القوات الدفاعية والأمنية وتسلحها بأحدث الإمكانات لحماية المكتسبات والسيادة؛ في معادلةٍ تربط الأمن بالازدهار وتدرك أن حماية بيئة الاستثمار والابتكار تبدأ من دولةٍ آمنةٍ راسخة المؤسسات.
واختُتمت الكلمة بتثبيت بوصلة المشروع الوطني: الإنسان البحريني أولاً؛ ثروتنا الحقيقية ووجه بلادنا المتحضر أينما حلّ. ومن هذه القاعدة تتوالى السياسات - من تحديث التشريعات والإعلام، إلى تمكين الشباب، إلى تسريع التنويع الاقتصادي والرقمي - لتبقى البحرين وجهةً للخير والسلام ومركزًا للإبداع والريادة. إننا أمام وثيقة توجيهٍ عملي تُلزم المؤسسات والأفراد بترجمة المبادئ إلى برامج، والشراكة إلى نتائج، والهوية إلى فعلٍ يومي يحمي الوحدة ويُطلق الطاقات.