قبل أيام، فُجِعت البحرين كلها بخبرٍ مؤلمٍ، طفلٌ في عمر الزهور فقد حياته داخل الباص المدرسي! مأساةٌ هزّت الجميع، ونعلم جميعاً أنها ليست الحادثة الأولى من نوعها، ولكننا نتمنى من أعماقنا أن تكون الأخيرة، بعون الله.

ولكي لا تتكرر هذه المآسي، لا بد أن تتضافر جهود الجميع - الدولة، والمجتمع، والمدارس، وأولياء الأمور - من أجل وضع حدّ نهائي لمثل هذه الكوارث التي تخنق أرواحنا بالحزن في كل مرة.

لكن بدايةً، يجب أن نكون منصفين في أحكامنا، ففي مثل هذه الحوادث الأليمة، لا يصح أن نحمل سائق الباص المسؤولية الكاملة، أو نضعه في خانة المجرم.

فذلك الإنسان ما كان ليفعل ما فعل لو كان يدري ما يخبئه القدر، وما كان في قلبه إلا أن يعود إلى بيته كما يعود كل يوم. الحادثة قدرٌ مؤلم، لكنها أيضاً رسالة، ومناسبة لمراجعة أنظمتنا وإجراءاتنا.

وهنا أود أن أشير إلى تجربة في دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا المجال، تجربة رائدة تستحق الإشادة والتأمل. فقد سخّرت الدولة كل إمكاناتها لضمان أقصى درجات السلامة للطلبة عبر منظومة ذكية ومتكاملة.

من أبرزها تطبيق «حافلتي»، وهو تطبيق إلكتروني يربط بين المدرسة وولي الأمر والباص. ما إن يصعد الطالب إلى الباص حتى يصل إشعار فوري إلى هاتف ولي الأمر، ويمكنه تتبّع سير الباص لحظة بلحظة.

وعندما يصل الطالب إلى المدرسة، يأتي إشعار آخر يؤكد وصوله بسلام، ويتكرر ذلك عند العودة إلى المنزل. بل إن النظام يُرسل تنبيهاً في حال تغيّب الطالب عن الصعود في الصباح أو العودة بعد الظهر، مما يضمن تواصلاً دقيقاً ومستمراً بين المدرسة والأسرة.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فهناك قوانين صارمة تطبقها الجهات الأمنية في الإمارات، منها أنه عند توقف الباص ورفع علامة «قف» الجانبية، يُمنع تجاوز الباص منعاً باتاً، لأن توقفه يعني أن هناك طفلاً قد يعبر الطريق.

والمخالفة هنا ليست بسيطة، بل تُواجه بعقوبات مشددة، لأن حياة الأطفال ليست محل مجازفة أو استهتار.

ومن هذا المنطلق، أتوجه إلى سعادة الدكتور محمد بن مبارك جمعة وزير التربية والتعليم، الذي أثبت خلال سنوات قيادته للوزارة أنه من الشخصيات التي تؤمن بالتطوير، وتتبنى التغيير الإيجابي.

أتمنى منه شخصياً دراسة التجربة الإماراتية - أو أي تجربة مشابهة - والاستفادة منها بما يحقق مزيداً من الأمان لأبنائنا وبناتنا في مملكة البحرين.

فكل طفل في البحرين هو ابنٌ لنا جميعاً، وكل يدٍ تمتد لحمايته، أو تسهم في ضمان سلامته، هي يدٌ تبني وتخلص وتعد بالخير لهذا الوطن. ولأن الأوطان تُقاس بمدى حفاظها على براءتها الصغيرة قبل إنجازاتها الكبيرة.

هناك طفل في الباص.. فلا نجعله يغيب عن بالنا.