نداء موجه إلى المسلمين كافة، أن نتقي الله تعالى حق تقاته، وأن نحذر أسباب سخطه وانتقامه، ولنعلم أن الله لا تخفى عليه خافية، يعلم سرنا وجهرنا، ويعلم حركاتنا وتصرفاتنا، وما يصدر عنا من الأقوال والأفعال؛ فنجتهد في إخلاص عملنا لله، وأن نتحرى الصدق في أقوالنا، ونؤدي الأمانات، كما أمرنا سبحانه، ونقول الحق، إذا نطقنا، ونؤدي الشهادات كما علمنا، وتحققنا، ولا ننقص، ولا نزيد عما علمنا، فمن نقص شيئاً فقد كتم الشهادة، والله يقول في كتمانها: «وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ»، «سورة البقرة: 283».
فشهادة الزور كبيرة من كبائر الذنوب: سبب لسخط الجبار سبحانه وتعالى ودخول صاحبها النار، وسبب في ضياع حقوق الناس وظلمهم، وسبب لزرع الأحقاد في القلوب؛ تطمس معالم العدل والإنصاف والحقيقة، وتُعين الظالم على ظلمه، وتُعطي الحق لغير مستحقيه؛ جاء النهي الشديد عنها في كتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- لما فيها من الإضرار والإفساد بالمجتمعات والأفراد، والتي قرن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بَيْنَهَا وبين عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، فَقَالَ: «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ»، «سورة الحج: 30».
ونزه -سبحانه- المؤمنين والمؤمنات َعن قول الزور، وجعل منْ أبرز صفاتهم: الابتعاد عن قول الزور وشهادة الزور، فقال: «وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً»، «سورة الفرقان: 72»، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ -فِي صَحِيحَيْهِمَا- عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ -ثَلَاثًا-؟»، قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَانَ مُتَّكِئاً فَجَلَسَ، فقالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.
وشهادة الزور ما هي إلا لشهوة ساعة؛ إما للحصول على المال أو للشهرة أو قطعة أرض مع باطل من أجل قريب أو صاحب قبيلة؛ حتى بلغ بالبعض أن يقف بأبواب المحاكم مستعداً لشهادة الزور والإدلاء بها؛ بل ربما حلف عليها؛ ولا يعلم شاهد الزور أنه ساقط بنظر من شهد له؛ لأنه يعلم أنه كاذب خائن في شهادته، عديم الخلق والدين، قد باع ضميره بعرض من الدنيا، وداس على كرامته ورجولته وسمعته لإرضاء من شهد له.
إن الذي شهد شهادة الزور قد أوبق نفسه في الآثام، وظلم كلاً من الطرفين، ظلم المشهود عليه، وقهره وغلبه بالباطل، وأوغر صدره عليه، وحرمه حقه، وأفسد مجتمعه، وظلم المشهود له بإعانته على أكل الحرام، وظلم الناس، وعصى الله بأمره في قوله سبحانه: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ»، «سورة المائدة: 2».
إن شاهد الزور قد أوقع الحاكم أو القاضي في الخطأ في الحكم، وإصدار الحكم بما هو خلاف الواقع. إن شاهد الزور بفعله هذا غيّر حكم الله، واستحق المقت والغضب من الله.
إن شاهد الزور والمشهود له تعاونا على الباطل، تعاونا على الإثم والعدوان، جادلا بالباطل في هذه الحياة الدنيا على سحت من المال قد يتمتع به آكله ويفنى عن قريب؛ وقد يعاقب بالحرمان منه، فيكون سبباً لهلاك نفسه، أو هلاك ماله، أو هلاك ولده، أو أهله.
ولقد أثنى الله سبحانه على الذين لا يشهدون الزور، ولا يحضرون مجالس اللغو والفجور، ترفعوا عن كل ما يدنس أديانهم وأعراضهم، وراقبوا الله في إسرارهم وإعلانهم قال سبحانه: «وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً»، «سورة الفرقان: 72».
لنعلم أن الحياة أيام محدودة، وأنفاس معدودة، فعلام يُقحم المسلم نفسه في الكبائر والآثام؟ وما يدري لعله في يومه أو غده ينتقل عن هذه الدار، ويخلو بلحده وحده، ليس له مؤنس إلا عمله الصالح، إن كان له عمل صالح، وإلا فسيوحشه في قبره عمله السيئ ولا ينفعه حينئذ ما جمعه وما ثمره، ولا يقبل منه توبة ولا معذرة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولاً»، «سورة الإسراء: 36».