في الأسبوع الماضي، بينما كان أغلب الناس مشغولين بتبديل الإطارات استعداداً للمطر أو بمطاردة عروض الجمعة البيضاء، كانت البحرين تضيء بحدث من نوعٍ آخر تماماً. مؤتمر الأمن السيبراني العربي الدولي، أو كما يسميه البعض «المعركة الهادئة»، اجتمع فيه العقول التي تحرسنا من اللصوص الذين لا يحتاجون إلى أقنعة ولا حتى مفاتيح، فقط لوحة مفاتيح وشبكة إنترنت.

المؤتمر لم يكن حفلاً عادياً يوزع فيه المشاركون بطاقات التعارف، وينتهون بصورة جماعية، بل كان خليطاً بين المختبر والفيلم الخيالي، حضر فيه «سحرة التقنية» من أكثر من خمسين دولة ليتحدثوا عن مستقبلٍ بات يخيف البعض أكثر مما يطمئنهم.

ما لفت الانتباه هذه المرة أن المؤتمر حمل توقيع «ديف كون»(DEF CON (Defense Conference)، الاسم الأشهر عالمياً في عالم «الهاكرز الأخلاقيين». نعم، البحرين دخلت رسمياً نادي الكبار في عالم الأمن الرقمي، وجمعت في قاعة واحدة خبراء من أمازون وجوجل ومنظمات الأمن العالمية إلى جانب طلاب بحرينيين يتنافسون في أول «هاكاثون للفضاء»! فكرة أن طلاباً من الخليج يناقشون حماية الأقمار الصناعية تجعلني أبتسم؛ من كان يظن أن هواية تفكيك الألعاب القديمة يمكن أن تصبح مهنة وطنية؟

أجمل ما في هذه الفعالية أنها لم تتحدث فقط عن الشفرات والأنظمة، بل عن الإنسان نفسه. المتحدثون أشاروا إلى أن الخطر الحقيقي ليس الفيروس، بل الغفلة. فالمجرمون الرقميون لا يحتاجون إلى مهارة خارقة بقدر ما يحتاجون إلى شخص يضغط على رابط غريب، وهو يشرب قهوته الصباحية. هناك من قال في إحدى الجلسات إن «الذكاء الاصطناعي قد يصبح أذكى من البشر، لكنه لن يكون أكثر حكمة منهم»؛ جملة جعلت الحضور يضحكون، ثم يصمتون قليلاً وكأنهم يفكرون في هواتفهم الذكية التي تعرف عنهم أكثر مما يعرفه أقرب أصدقائهم».

اللافت أيضاً أن المؤتمر لم يكتفِ بالكلام، بل شهد توقيع اتفاقيات لتدريب الشباب البحرينيين والعرب في مجال الدفاع السيبراني، وتنظيم ورش عمل تفاعلية تحاكي الهجمات الإلكترونية الحقيقية. الفكرة ببساطة أن ننتقل من مرحلة «لا تفتح هذا الرابط» إلى مرحلة «صمم نظامًا يمنع الآخرين من فتحه أصلاً».

وربما كان المشهد الأجمل في الختام عندما أعلن المركز الوطني للأمن السيبراني عن تأسيس مجموعة بحرينية تابعة لـ«ديف كون». كأن البحرين تقول: نحن لا نحضر المؤتمرات لنصفق، بل لنصبح جزءاً من الحدث.

بعيداً عن الأرقام والاتفاقيات، ما جعل الحدث مميزاً هو شعور الفخر الذي خيّم على الجميع. أن ترى بلداً صغيراً يقف بثقة وسط هذا العالم المليء بالتهديدات الرقمية ويقول «أنا هنا» هو أمر يبعث على التفاؤل.

في النهاية، الأمن السيبراني لم يعد موضوعاً للنخبة التقنية فقط، بل صار جزءاً من حياتنا اليومية مثل شحن الهاتف أو تحديث التطبيقات. ربما آن الأوان أن نفكر في كلمة «الأمان» بشكل أوسع، فكما نغلق باب بيتنا كل ليلة، علينا أيضاً أن نغلق نوافذنا الرقمية. وكما نحتفظ بمفتاح واحد للبيت، لا داعي لأن نستخدم كلمة المرور نفسها لكل شيء في حياتنا.

فمن يدري، ربما في المؤتمر القادم سيُعرض فيلم وثائقي عن شخصٍ ضغط على رابط مريب، وانتهى به الأمر نجماً في عرض توعوي.. وما أجمل أن يكون هذا النجم أحدنا، طالما تعلم من التجربة.

* خبير تقني