يوم الطبيب البحريني ليس مجرد مناسبة احتفائية أُدرجت على تقويم الأيام الوطنية في مملكة البحرين، بل هو وقفة تقدير وتثمين لمهنة اختارت أن تحمل رسالة إنسانية سامية، تسهم في بناء الإنسان وتعزيز جودة الحياة.

وهو أيضًا انعكاس لما تحظى به هذه المهنة من مكانة خاصة في ظل الرعاية الكريمة من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظّم حفظه الله ورعاه، والاهتمام المستمر من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله. ويمثّل هذا اليوم مناسبة لتأصيل مهنة الطب التي تضرب جذورها في أرض البحرين منذ أحقاب حضارية ضاربة في القدم، إذ تعود بدايات الممارسة الطبية إلى الطب الشعبي التقليدي الذي عرفته حضارة دلمون في الألفية الثالثة قبل الميلاد. فقد كانت دلمون مركزاً تجارياً مزدهراً، أتاح تبادل المعارف العلاجية مع حضارات وادي الرافدين ووادي السند. حيث عُرفت في تلك الحقبة الحمّامات والمياه العلاجية، وطقوس الشفاء في المعابد مثل معبد باربار، إلى جانب استخدام الأعشاب والزيوت الطبيعية في التداوي.

وفي العصر الإسلامي، ازدهرت علوم الطب وانتشرت بين المجتمعات، وذاع صيت العلماء والأطباء كابن سينا والرازي وغيرهما. وكان “الحكيم” في المجتمع البحريني يُعد مرجعاً طبياً يستخدم الأعشاب والخلطات التقليدية، إضافة إلى مهارات التجبير والعلاج بالزيوت. كما عُرف في البحرين “حكيم البحّارة والغواصين” الذي تخصص في معالجة إصابات الغوص وأمراض العيون الناتجة عن التعرض المستمر لمياه البحر والملح، في زمن ازدهار صيد اللؤلؤ.

ومع بدايات القرن العشرين، شهدت البحرين نقلة نوعية من الطب الشعبي إلى الطب الحديث، لتكون من أوائل الدول في المنطقة التي احتضنت المؤسسات الطبية الحديثة. فقد افتُتح أول مركز طبي حديث على يد زويمر عام 1892، تلاه مستشفى البعثة الأمريكية عام 1893، ثم تأسيس مجمع السلمانية الطبي عام 1957 كأول مستشفى وطني متكامل. وتواصلت الإنجازات مع تأسيس أول معهد حكومي للتمريض عام 1959، والمستشفى العسكري عام 1968، ومستشفى الملك حمد الجامعي عام 2010، وهو من رواد استخدام التقنيات الطبية الحديثة. كما أُنشئت صروح طبية متخصصة مثل مركز البحرين للأورام (2018)، ومركز محمد بن خليفة بن سلمان آل خليفة التخصصي للقلب (2021)، ومركز سمو الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة لأمراض الكلى، وغيرها من المراكز التي تعكس التطور المستمر في المنظومة الصحية.

واليوم، تواصل مملكة البحرين مسيرة التطوير الطبي بخطى واثقة، مواكبةً لثورة التكنولوجيا الصحية الحديثة، عبر إدخال الأنظمة الجراحية الروبوتية المتقدمة التي تعزز دقة الأداء وجودة الخدمة الطبية. وقد حققت المملكة ريادة إقليمية على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بإطلاق نظام Hugo RAS الروبوتي في المستشفى العسكري، إلى جانب الاستخدام المبتكر لجهاز VELYs في جراحة مفصل الركبة، وجهاز التصوير المقطعي فائق الدقة NAEOTOM Alpha PCCT، فضلًا عن تطوير غرف العمليات الهجينة (Hybrid OT) المخصصة للجراحات المتقدمة.

هذا التطور المتواصل، يؤكّدُ أن مملكة البحرين تسير بخطى ثابتة نحو تعزيز مكانتها كمركز طبي رائد في المنطقة، مستثمرة في الكفاءات الوطنية والابتكار التكنولوجي، لتظل مهنة الطب إحدى ركائز التنمية وجودة الحياة في المملكة.

وبذلك، يمثِّلُ يوم الطبيب البحريني محطة فخر واعتزاز، بمسيرة تمتد من جذور حضارة دلمون إلى حاضرٍ زاخر بالإنجازات الطبية الرائدة، غابتها الإنسان، وشعارها الطِّب رسالة قبل أن يكون مهنة.