نتيجة للنمو والتطور الهائل في المعلومات والمعارف والتطور التكنولوجي في جميع مناحي الحياة، وبخاصة تكنولوجيا التعليم، اتسع مفهوم التربية والتعليم ومن ثَمَّ تطور دور المعلم وازدادت مهمته تعقيداً، فبعد أن كان دوره تقليدياً يقتصر على نقل المعرفة إلى عقول التلاميذ، وكانت نظرة المعلم لمهنته على أنها حرفة يزاولها، حيث لم يتعد دوره ليصل إلى عملية التربية، أصبح يؤدي إلى إعداد جيل قادر على التطور والتغيير والعطاء.

وهذا يتطلب معلماً يتمتع بعدد من الخصائص والخبرات والإمكانات التي لا تتأتى إلا عن طريق التدريب والتأهيل وفقاً للكفايات المطلوب توافرها لدى المعلم ؛ لأن تحديد الكفايات يجعل من الممكن رسم الخطوط العريضة لفلسفة تأهيل المعلمين قبل الخدمة في كليات التربية. هذا وقد ازداد الاهتمام ببرامج إعداد المعلمين القائمة على الكفايات، بحيث بدأ استخدامها على نطاق واسع في معظم البرامج المستخدمة في الدول المتقدمة، كما أن معرفة الكفايات المطلوب توافرها لدى المعلمين تؤدي إلى تحسين أدائهم وتطوير مهارتهم ومساعدتهم للقيام بأعمالهم على أحسن وجه وذلك عن طريق برامج التدريب أثناء الخدمة.

لذا تعتبر قضية إعداد المعلم من القضايا التي تشغل الأذهان، وذلك لأهميتها ودور المعلم البارز والمؤثر في تعليم الأجيال المتوالية، ولعل أهم ما يشغل التربويُّين كيفية إعداد هؤلاء المعلمين، باعتبارهم الركيزة الأساسية لعملية تطوير التعليم. والإعداد عملية ضرورية ومستمرة ؛ لتواكب كل ما يستجد في مجالها، وهو عملية متكاملة تتألف من أشخاص متدربين ومدربين أكفاء وبرامج تتضمن مناهج ملائمة وجيدة ووسائل تعليم أو تدريب متطورة وجيدة.

فالعملية التربوية لا تعني شيئاً فعالاً إذا خلا ميدانها من معلم كفء وقادر على تحمل تبعاتها وإنجاز مسؤولياتها، فهي إذن لن تصلح إلا بصلاح المعلم الذي هو مناط الأمل في التطوير الجذري المنشود سواءً في مجالات المناهج أو طرق التدريس، أو الوسائل والمعينات التعليمية، أو النشاط المدرسي الذي يجب أن يمتد لإصلاح البيئة التعليمية. وهذا يفرض على المعلم أن يكون واسع الثقافة، ملماً بالمادة التي يدرسها وبأساليب التربية ووسائلها الحديثة وبمتطلبات مجتمعه المحلي والقومي وبمشكلات البيئة المدرسية والمحلية، مما يتطلب تنظيم برامج تدريبية لمواجهة الأدوار والوظائف المختلفة التي يفرضها الانفجار المعرفي واستخدام التكنولوجيا الحديثة في التعليم.

في الواقع، لقد كان إعداد المعلم في الماضي منصبّاً على أن يكون ملمّاً بالمعارف المحدودة ليزوّد بها طلابه ليواجهوا مسؤوليات الحياة، ولكن المعلم أصبح الآن في أمسّ الحاجة إلى التطوير في إعداده لكي يستطيع ملاحقة التغيّرات السريعة في مجال المعرفة الإنسانية وتطبيقاتها في واقع الحياة، وبذلك يستطيع بدوره إعداد طلابه وتربيتهم في مختلف الجوانب المختلفة ليتمكنوا من مواكبة الحياة المعاصرة وملاحقة تغييراتها والتكيف معها والتغلب على مشكلاتها.

إن مهام المعلم هي تنفيذ المنهج الدراسي بمفهومه الواسع، وحتى يتم ذلك لابد من تزويد المعلم أثناء الإعداد بالمهارات اللازمة التي تساعده على القيام ببعض الفعاليات الأساسية، كالتخطيط للعملية التعليمية التي تتضح في قدرة المعلم على تحديد الأهداف المعرفية والمهارية والانفعالية، وبالرغم من أن غالبية المؤسسات المعنية بإعداد المعلمين في البلاد العربية تراعي في برامجها جميع تلك الأهداف إلا أننا نجد أن تحقيق الأهداف المعرفية تأخذ الاهتمام الأكبر دون غيرها، مما ينعكس ذلك على المعلمين الذين ينقلون ذلك إلى مدارسهم وطلابهم، فيحشون رؤوسهم بالمعلومات، ويقدمونها بأدنى مستوياتها كالحفظ والاستظهار وإهمال المستويات والأنواع الأخرى من الأهداف.

ومن هنا نرى أنه لابد من الحرص على إعداد برامج إعداد المعلمين بشكل أكبر للجوانب التطبيقية والعملية، وهو المهم في العملية التعليمية، خلاف الواقع الذي يغلب عليه الطابع الشكلي في الإشراف والتنظيم، مما يخلق فجوة بين ما تعلمه المعلمون في الجامعات، وما هو موجود في واقع العملية التربوية.