أمامنا تجربة تربوية رائعة أبدع فيها ثلاثة من طلاب المرحلة الابتدائية، هم جواد عبدالرضا أمان، وحسين علي الترابي، وعباس رضي محمد من مدرسة سند الابتدائية للبنين، الذين اجتمعوا ليؤلفوا قصة تربوية هادفة بعنوان «صادق وأمين».

قصتهم عبارة عن رسالة جميلة تعبّر عن وعيٍ مبكر، وفكرٍ نقيّ، ورغبةٍ صادقة في نشر القيم والمبادئ التي نحتاج اليوم إلى ترسيخها في نفوس النشء.

هي تدور حول صديقين يتعلمان معاني الصدق والأمانة والتعاون من خلال مواقف حياتية داخل المدرسة، فينعكس معنى اسميهما على سلوكهما وأفعالهما.

فكرة بسيطة في ظاهرها، لكنها كبيرة في مضمونها، لأنها تعيدنا إلى جوهر التربية الحقيقية، وهو بناء القيم قبل بناء المعارف.

البيئة التي احتضنتهم، والمتمثلة في مدرستهم سند الابتدائية للبنين، قدّمت نموذجاً في دعم المواهب الناشئة، وتشجيعها على الإبداع والتفكير بطريقة مختلفة.

والشكر موصول لمدرّستهم فاطمة جابر عبدالحسين التي أشرفت على العمل بحب وإخلاص، واستطاعت ربط الموهبة الأدبية بالتكنولوجيا الحديثة، عبر توظيف الذكاء الاصطناعي وأدوات التصميم الرقمي لتحويل القصة إلى صيغة مصورة جذّابة.

هذا النوع من المبادرات يعكس فهماً عميقاً لدور التعليم، فالمعلم اليوم ليس فقط ناقلاً للمعرفة، بل موجّه ومُلهم، يفتح أمام الطلبة آفاقاً جديدة، ويُكسبهم مهارات حياتية تجعلهم قادرين على التميّز والإبداع.

والجميل أن التجربة خرجت من بيئة مدرسية ابتدائية، ما يؤكد أن غرس القيم والابتكار يمكن أن يبدأ من أصغر المراحل الدراسية إذا وُجدت الرؤية الصحيحة والإخلاص في العمل.

قد يرى البعض الموضوع صغيراً أو عابراً، لكنه يحمل رسائل كبيرة جداً. أولها أن جودة التعليم لا تُقاس بالمناهج فقط، بل بالاهتمام بالطلبة وتوجيههم نحو القيم الصحيحة.

وثانيها أن المعلم المخلص هو حجر الأساس في كل نجاح، وأن وراء كل طفل مبدع، هناك معلم أو مدرسة آمنت بقدراته واحتضنت طاقته.

اليوم تتكاثر المؤثرات السلبية على الأطفال من ألعاب إلكترونية ومسلسلات كرتونية تُروّج لأفكار دخيلة على قيمنا ومجتمعاتنا، منها للأسف ما يدعو إلى الشذوذ والانحراف، بالتالي تصبح مثل هذه المبادرات درعاً واقياً يحمي أبناءنا، ويمنحهم القدرة على التمييز بين الخير والشر، والصواب والخطأ.

وحين نغرس في الطفل معاني الصدق والأمانة وغيرها، فإننا نحميه من الوقوع فريسة لهذه السموم الفكرية والأخلاقية.

نشر مثل هذه النماذج الإيجابية رسالة تربوية واجتماعية يجب إبرازها وتشجيعها، لأنها تصنع «عدوى إيجابية»، وتُلهم مدارس أخرى وأولياء أمور ومعلمين للاقتداء بها.

وعليه نعزّز في التعليم رسالته الأسمى، وهي صناعة جيلٍ متعلّمٍ وواعٍ وأخلاقي، قادرٍ على مواجهة التحديات الفكرية والأخلاقية.

شكراً لجواد وحسين وعباس، وشكراً لمدرّستهم التي غرست فيهم حب القيم والإبداع. فبمثل هذه النماذج المضيئة يظل الأمل كبيراً في مستقبلٍ أكثر وعياً وإنسانية، تُشرق فيه التربية بقيمها، والتعليم برسالته، والمجتمع بأجياله الواعدة.