في قلب مجلس الشيوخ الفرنسي، تحت قبّته التي شهدت قراراتٍ كبرى غيّرت وجه التاريخ، ارتفع صوت المرأة عالياً في مواجهة العنف والحرب. من هناك، من باريس التي لطالما كانت عاصمة النور والفكر، انطلقت رسالة إنسانية جريئة تدعو العالم إلى الوقوف صفاً واحداً ضد العنف الممنهج ضد النساء، خصوصاً في مناطق النزاع التي تحوّلت فيها الأجساد والكرامة إلى ساحات صراع.
هذا المؤتمر الدولي لم يكن مجرد حدثٍ بروتوكولي، بل كان صرخة عالمية أعادت تعريف معنى التضامن الإنساني. جمع بين ناشطات وسياسيات وخبراء من شتّى الدول لمناقشة سُبل التعاون لمكافحة العنف ضد النساء أثناء الحروب، ومساءلة الأنظمة والميليشيات التي تستخدم النساء كوسيلة للترهيب والسيطرة.
ما ميّز هذا اللقاء هو الجرأة في الطرح، إذ لم يكن الحديث عن الانتهاكات مقصوراً على مناطق الصراع التقليدية، بل شمل أيضاً ما تتعرّض له النساء في إيران، اللواتي يواجهن العنف. وقد كانت فرنسا، التي احتضنت الخميني يوماً ما، اليوم منبراً حرّاً لتعرية ممارسات نظامه الذي صادر كرامة المرأة وموارد البلاد.
وفي هذا السياق، جاءت مشاركتي في الجلسة الخاصة بالمؤتمر لتسليط الضوء على خطورة استغلال الميليشيات للعنف كسلاح سياسي، وضرورة تفعيل الضغط الدولي ضد الأنظمة التي تموّل تلك الجماعات. أكدتُ أن دعم النساء في مناطق النزاع ليس عملاً إنسانياً فحسب، بل هو دفاع عن استقرار العالم وأمنه، وأن صمت المجتمع الدولي يعني تمكين المعتدي.
إن نضال النساء الإيرانيات في الداخل والخارج يثبت أن التغيير قادم لا محالة. فهؤلاء النساء رفضن حياة الصمت، وقررن تحويل معاناتهن إلى قوة ضغط مؤثرة في الرأي العام ومراكز القرار الأوروبية. ومع تصاعد العقوبات الدولية، وتزايد عزلة النظام الإيراني، بات الحديث عن إسقاط النظام واقعاً سياسياً أكثر من كونه شعاراً ثورياً. العالم بدأ يرى أن هذا النظام فقد شرعيته الأخلاقية والسياسية، وأن صموده لم يعد سوى مسألة وقت.
لقد تحوّلت المرأة الإيرانية إلى رمز عالمي للمقاومة، وشعار «المرأة، الحياة، الحرية» أصبح نداءً يتردد في كل العواصم. إنها ثورة نساءٍ يطالبن بحقوقهن، ويواجهن العنف بكل أشكاله بشجاعة وإصرار، وهنّ اليوم يشكّلن جبهة أخلاقية وإنسانية تُجبر الدول والمنظمات على اتخاذ مواقف واضحة.
العالم اليوم أمام اختبارٍ حقيقي: فموقفه من قضايا النساء في مناطق النزاع سيحدّد مدى صدقيته في الدفاع عن حقوق الإنسان. لقد آن الأوان ليتحوّل التعاطف إلى قرارات، والبيانات إلى سياسات فعلية تردع الأنظمة التي تستخدم العنف كوسيلة للسيطرة. إن الوقوف مع المرأة ليس خياراً أخلاقياً فحسب، بل هو التزام إنساني يضمن السلام والاستقرار في عالمٍ لايزال يواجه أشكالاً جديدة من الاضطهاد.
وربما يسجل التاريخ أن النظام الذي بدأ صعوده بخطابات الخميني في المنفى، قد يبدأ سقوطه من باريس أيضاً، على يد نساءٍ رفضن الصمت واخترن أن يكنّ صوت الحرية في وجه العنف والظلم ضد المرأة. نعم، صوت المرأة اليوم أقوى من الرصاص، وأصدق من كل دعاية، وهو الذي سيصنع فجر إيران الجديدة ويؤسس لعالمٍ أكثر عدلاً للنساء في كل مكان.