في موقف إنساني مؤثر، سجّلت عائلة الطفل الفقيد حسن علي المحاري صفحة مضيئة في سجل القيم البحرينية الأصيلة، حين قررت العفو عن المتهمة في الحادث الذي أودى بحياة طفلها. قرار العفو هذا لم يكن سهلاً، فالمصاب جلل والفقد موجع، لكن إيمان الأسرة العميق بالله، ورضاها بالقضاء والقدر، جعلاها تختار طريق الرحمة والمغفرة على طريق الغضب والاقتصاص.
لقد جسّدت هذه العائلة الكريمة أسمى معاني الإيمان والإنسانية، وأعطت درساً بليغا في الصبر والتسامح واحتساب الأجر عند الله. إن هذا القرار النبيل لم يلامس قلوب البحرينيين فحسب، بل أضاء وجدان الأمة كلها بمشاعر الرحمة والسكينة، وأعاد إلى الأذهان أن العفو عند المقدرة من شيم الكرام، ومن علامات المجتمعات المؤمنة المتماسكة.
ومع كل التقدير والإجلال لهذه الروح العالية، فإن هذا الحادث الأليم يجب أن يكون جرس إنذار يدعو الجميع -مؤسسات وأفراداً- إلى مراجعة الأنظمة والإجراءات الخاصة بنقل الأطفال من وإلى المدارس ورياض الأطفال والمعاهد. فقد تكررت هذه الحوادث المؤسفة أكثر من مرة، ولا يمكن أن تبقى الحلول في إطار العاطفة وحدها.
من هنا تأتي الضرورة الملحة لأن يكون هناك تشريع واضح وصارم ينظم عملية النقل المدرسي، ويضمن أعلى درجات الأمان للأطفال، مع فرض الرقابة على جميع الجهات التعليمية، سواء أكانت حكومية أو خاصة. كما يجب أن تشمل المسؤولية أطراف النقل كافة، من السائقين، والمشرفين، والمؤسسات التعليمية، وأن تُفرض دورات تدريبية وتعليمات إرشادية دورية في بداية كل فصل دراسي، لترسيخ الوعي والانتباه بأهمية سلامة الأطفال.
إن فقدان طفل بريء لا يمسّ أسرة واحدة فحسب، بل هو فقدان لكل أطفال البحرين، ومأساة تهز ضمير المجتمع بأسره. رحم الله الطفل الفقيد، وجعل صبر أسرته في ميزان حسناتهم، وحفظ الله أبناءنا جميعاً من كل سوء، حتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث المؤلمة التي لا يقبلها ضمير ولا يرضى بها إنسان.