في أغسطس الماضي، رضخ عملاقا صناعة السيارات الأمريكية أمام الشركات الصينية في محاولة للحاق بالركب وعدم الابتعاد عن المنافسة في قطاع السيارات الكهربائية المزدهر عالمياً. فقد قررت كل من فورد وجنرال موتورز التعاون مع شركة كاتل (CATL) الصينية، التي تعد الأكبر عالمياً في مجال تصنيع بطاريات الليثيوم المستخدمة في السيارات الكهربائية. فورد لجأت إلى ترخيص تقني من الشركة الصينية لتصنيع البطاريات داخل الولايات المتحدة، بينما ستقوم جنرال موتورز بشراء البطاريات مباشرة من المصنع الصيني.

وتأتي هذه الخطوة – التي يعارضها البيت الأبيض، وبالأخص وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الذي يرغب في الابتعاد عن أي شراكة مع الصين – كضرورة لصناعة السيارات الكهربائية الأميركية إذا أرادت تقديم مركبات بأسعار تنافسية، خاصة في ظل غياب مصنع أمريكي قادر على إنتاج بطاريات الليثيوم رغم أن صناعة هذه البطاريات بدأت أولاً في الولايات المتحدة ! وتُعد صناعة السيارات بكافة أنواعها جزءاً من الهوية الوطنية الأمريكية، إذ تستقطب أكثر من 4 ملايين عامل، ما يجعل فكرة تراجعها أو خسارتها حصصاً عالمية أمراً مدمراً للاقتصاد الأمريكي وللمعنويات الأمريكية كذلك.

وتتعاون كبرى شركات تصنيع السيارات في العالم مع الصانع الصيني (كاتل)، ومن بينها تويوتا، ومرسيدس، و بي إم دبليو، و فولكسفاغن، وحتى تسلا، وذلك لتوفير بطاريات متطورة وبأسعار منخفضة لسياراتها الكهربائية.

وهذا يعكس حجم تأثير المورد الصيني على صناعة السيارات الكهربائية حول العالم. وتقدم كاتل بطاريات أسرع في الشحن وذات تركيبة كيميائية أحدث، ما يساهم في تحسين أداء المركبات الكهربائية. ويعمل اليوم أكثر من 18 مليون سيارة في 66 دولة ببطاريات من إنتاج الشركة.

وفي أبريل من هذا العام، أطلقت كاتل الجيل الثاني من بطاريات الصوديوم–أيون التي تُعد أرخص من بطاريات الليثيوم، والمتوقع أن تستبدلها في المستقبل القريب، الأمر الذي سيعزز لسنوات طويلة قادمة من هيمنة الشركة على عرش مورّدي بطاريات السيارات الكهربائية عالمياً.

وفي مقالٍ في مجلة FP بعنوان «صانعو السيارات الأمريكية بحاجة إلى البطاريات الصينية»، يشير الكاتب كيفن برونلي إلى أن التضييق على الشراكات بين الشركات الأمريكية والصينية من قبل الإدارة الأمريكية سيُضعف الصناعة وموقع الولايات المتحدة في سوق السيارات العالمي. ويؤكّد أن التحول إلى السيارات الكهربائية قادم لا محالة حتى إن لم تعترف به واشنطن حالياً، خاصة مع ارتفاع الطلب العالمي عليها هذا العام وحده بنسبة 26%، داعياً الإدارة الأمريكية إلى دعم الشراكات مع الصين في مجال صناعة السيارات وقبول المزيد منها.

إن ما يحدث اليوم في عالم صناعة السيارات يعكس جانباً من صراع متجدد بين الغرب والصين. فالولايات المتحدة وأوروبا تحاولان – دون جدوى – الحفاظ على تفوقهما العلمي والتكنولوجي، فيما تسير الصين بخطوات سريعة نحو بلوغ المستوى ذاته، بل وتتفوّق في كثير من الأحيان في بعض التفاصيل تفوقًا مذهلاً. والواقع يؤكد أن الصين متقدمة صناعياً على العالم، وتقترب بسرعة من التفوق علمياً وتكنولوجيا. لذلك، فإن المكابرة وعدم قبول الواقع قد يضر الغرب كثيراً في المستقبل.