أظهرت إحدى جلسات مجلس النواب عند مناقشة ملف المخالفات المرورية ورسومها أن لدى بعض النواب خلطاً واضحاً بين طبيعة الرسوم الإدارية وبين جوهر المخالفات القانونية. وهذا الخلط ليس تفصيلاً عابراً، بل يعكس نقصاً في فهم الدور الحقيقي لكل منهما.

فالرسوم الإدارية يمكن للدولة من خلال التشريع أو التنفيذ أن تعيد النظر فيها أو تخفيفها؛ لأنها تعد جزءاً من منظومة الخدمات، والتخفيف منها ينعكس مباشرة على المواطن، ويدعمه في ظل الضغوط المعيشية المتزايدة التي ترهق ميزانيات الأسر، وتحد من قدرتها الاقتصادية.

نقدّر أي جهد من السلطة التشريعية أو التنفيذية يطمح لتخفيف الأعباء عن الناس، أو يساعدهم على تحسين دخلهم، فهذه القرارات هي ما ينتظره المواطن بطبيعة الحال وهي جزء من حقه في معيشة أفضل واستقرار أكبر. وهنا لن ينتقد أحد أي جهة ما دامت محاولاتها تصب في مصلحة المواطن، ولا تحدث خللاً في نظام وُضع أساساً لتحقيق الانضباط وحماية المجتمع.

أما المخالفات، فليست مجالاً للمساومة أو التخفيف لأنها تمس سلامة الناس وحقوقهم بصورة مباشرة. المخالفة ليست مبلغاً مالياً، بل سلوكاً خاطئاً قد يعرّض الآخرين للأذى. ولهذا لا يتمنى أي فرد واعٍ في المجتمع أن يجري التهاون في هذا النوع من الإجراءات.

وفي هذا السياق جاءت مداخلة مدير إدارة الثقافة المرورية في الإدارة العامة للمرور الرائد خالد بوقيس لتعيد ترتيب النقاش بوضوح عندما قال إن (الملتزم بالقانون لن يدفع ديناراً واحداً وإن الوصول إلى صفر مخالفات يعد إنجازاً للمرور). وهذه العبارة تختصر جوهر الفكرة؛ لأن الهدف الحقيقي هو حماية الأرواح وترسيخ ثقافة احترام الطريق.

وعليه فإن الدعوات التي يطلقها بعض النواب لتخفيف المخالفات أو التساهل في سدادها تقدم رسالة خاطئة تفترض أن الالتزام بالقانون قابل للتفاوض، وأن السلوك المخالف يمكن التعامل معه بليونة. وهذا النهج يشجع المتهورين، ويضعف احترام القانون، ويحول الطريق إلى مساحة مفتوحة لسلوكيات لا يمكن التهاون معها.

من الطبيعي أن تتم مراعاة الناس في الرسوم الإدارية، وفي بعض المخالفات البسيطة التي لا تمس سلامة أحد. لكن في المقابل يحتاج المجتمع إلى تشريعات أكثر صرامة تجاه كل سلوك يعرض الآخرين للخطر. كما نحتاج إلى نقاش نيابي أكثر وعياً بالفرق بين ما يخفف العبء عن المواطن وما يهدد حياة البشر.

وفي هذا الوقت من عمر الدور التشريعي ومع كثرة الملفات المعلقة ينتظر المواطن قرارات رصينة بعيداً عن محاولات الظهور أو ما يشبه بطولات اللحظة الأخيرة. الأولوية الحقيقية هي تشريعات واقعية تلامس احتياجات الناس، وتعزز أمنهم وسلامتهم.

المواطن يريد وضوحاً صريحاً يتمثل في رسوم يمكن التخفيف عنها ومخالفات يجب أن تبقى في إطارها الصارم؛ لأنها في النهاية ترتبط بحياة الإنسان قبل أي اعتبار آخر.