كثير من الناس يعتقدون أن فعاليات التقنية تقع في أماكن بعيدة عن حياتنا اليومية، وكأنها برامج فضائية تبث من كوكب آخر. لكن ما حدث قبل أيام في واشنطن خلال الجلسة الحوارية بين وزير سعودي وإيلون ماسك ورئيس إنفيديا، كان أقرب لسهرة خميس يجتمع فيها ثلاثة أشخاص كل واحد فيهم يشوف المستقبل بطريقته. فقط تخيّل أنك داخل مجلس وسمعت فجأة واحداً يسأل: يا جماعة الخير، هل اللي نعيشه اليوم فقاعة ذكاء اصطناعي؟ السؤال بسيط لكنه يشبه ذلك السؤال القديم اللي كنا نقوله بعض: «هل الإنترنت مجرد موضة وبتروح؟» والآن أصبح جزءاً من أنفاسنا اليومية.
الوزير وجّه السؤال بكل هدوء، وجينسن هوانغ رئيس إنفيديا ضحك قبل ما يجاوب، وكأن أحدهم سأله: هل المطاعم بتوقف طبخ؟ ثم بدأ يشرح كيف أن العالم كله يتغير من جذوره، وأننا ننتقل من مرحلة الحوسبة التقليدية إلى مرحلة الحوسبة المسرّعة والذكاء الاصطناعي التوليدي. بل ذهب أبعد من ذلك عندما قال إن كل شركة في العالم ستحتاج إلى بناء «مصنع لإنتاج الذكاء»، شيء يشبه محلات العصير زمان، لكن الفرق أن العصير هذه المرة عبارة عن بيانات وعمليات ومعالجة.
ومن جهة أخرى، كان إيلون ماسك في مزاج فلسفي، يتحدث عن مستقبل العمل وكأننا في حلقة من مسلسل خيال علمي، يتخيل فيه عالماً يصبح فيه العمل اختيارياً، والدخل متساوياً للجميع، وأن الروبوتات ستنتشر حولنا مثل انتشار القطط في الحواري. وبرغم أن بعض أفكاره تبدو مثالية زيادة عن اللزوم، إلا أن الرجل يعرف جيداً كيف يحرك الخيال، ويذكّرنا بأن التكنولوجيا ليست قضية أجهزة فقط، بل طريقة تفكير جديدة كلياً.
وسط هذا الحوار، لم يكتفِ الضيوف بالكلام النظري، بل أعلنوا عن مشاريع حقيقية مثل مراكز بيانات ضخمة وقدرات حوسبية هائلة يجري بناؤها في المنطقة، وكأنهم يقولون لنا: المستقبل ليس بعيداً، بل يتم صناعته الآن، هنا وهناك، وسوف يطرق باب حياتنا اليومية أسرع مما نتوقع، سواء في الطب أو التعليم أو حتى في بيوتنا.
لكن لنعد إلى السؤال الذي بدأ منه كل شيء: هل ما نعيشه فقاعة؟ رئيس إنفيديا يقول لا، وإيلون ماسك يغمز أن القادم أكبر، والوزير يبدو أنه بدأ الجلسة وهو يعرف أن الجواب سيدخلنا في منعطف جديد من التفكير. أما نحن، المتابعون من بيوتنا ومكاتبنا، فنعيش هذا الخليط الغريب بين الحماس والقلق، بين شعور أن الذكاء الاصطناعي شيء جميل يساعدنا، وبين خوف خفيف أنه سيصبح أذكى من اللازم، ويحتل آخر بقعة نعتقد أننا نفهمها.
الحقيقة أن ما يحدث اليوم ليس مجرد خبر يُقرأ ثم يُنسى. هو موجة كبيرة تتقدم، وستغيّر تفاصيل يومنا العادي: كيف نتعلم، كيف نعمل، كيف نتسوق، وكيف نتخذ قراراتنا. والذكاء الاصطناعي سيصبح مثل الكهرباء، لا نراه لكن حياتنا لن تعمل بدونه.
وفي النهاية، يا قارئي العزيز، بعد كل ما سمعناه من العمالقة الثلاثة، وبين تفاؤل ماسك وثقة هوانغ، وواقعية الوزير، يبقى السؤال الحقيقي في يدك أنت:
هل تعتقد أننا نعيش فقاعة ذكاء اصطناعي؟ أم أننا فقط نفتح الباب لأول فصل من مستقبل مختلف بالكامل؟
* خبير تقني