في الوقت الذي تشدد فيه بريطانيا رقابتها على التهديدات الإيرانية ومحاولات الاختراق عبر وكلاء طهران، مازالت قناة اللؤلؤة تبث من قلب لندن بترخيص رسمي، في مشهد يثير صدمة وتساؤلات خطرة.

كيف يمكن لدولة تواجه عمليات تجسّس، ومحاولات اغتيال، وشبكات نفوذ مرتبطة بإيران، أن تسمح لمنصة إعلامية محسوبة على مشروع ولاية الفقيه بالعمل داخل أراضيها بكل هذه الحرية؟

إن استمرار هذه القناة في البث لا يمثّل مجرد خلل رقابي، بل يشكّل ثغرة أمنية مفتوحة يمكن استغلالها لتغذية الولاءات العابرة للحدود وتمهيد الطريق لبيئة خصبة تصلح لعمل الخلايا النائمة.

تزداد المخاوف الأمنية في بريطانيا مع استمرار قناة اللؤلؤة في العمل بشكل علني وحملها لترخيص بث رسمي، رغم تصاعد التحذيرات من نشاطات مرتبطة بجهات معادية تهدّد الأمن القومي.

فهذه المفارقة تطرح سؤالاً جوهرياً: كيف تسمح دولة ديمقراطية تواجه أكثر من عشرين «مؤامرة إيرانية محتملة قاتلة» خلال عام واحد، وفق تقديرات الأجهزة الأمنية، بوجود منصة إعلامية يُعاد عبرها بث خطاب متطابق مع توجّهات النظام الإيراني وأذرعه الإقليمية؟

تتردّد في محتوى القناة رسائل تتقاطع مع خطاب طهران، وتظهر فيها تغطيات تمجّد قيادات حزب الله وتعرض رموزاً مرتبطة بالأيديولوجيا الإيرانية في إطار بطولي. كما يظهر مالك القناة حسين الأكرف في مقاطع مصورة يمجّد فيها الخميني وحزب الله وقياداته، بما يعكس انسجاماً تاماً مع الخطاب العقائدي لولاية الفقيه.

وتشير معلومات متعدّدة إلى أن القناة قامت بإصدار تأشيرات عمل لفئة «العامل الماهر» لعدد من الأشخاص على مدى ثلاث سنوات، وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة هذه التنقلات ومدى ارتباطها بعمل إعلامي حقيقي.

ورغم أن الولايات المتحدة قامت في عام 2021 بحظر قنوات إعلامية مرتبطة بالخطاب الإيراني وصادرت مواقعها الإلكترونية بالكامل ضمن إجراءات للحَدّ من أنشطة الدعاية المؤيدة لطهران وحزب الله، مازالت هذه القناة تعمل داخل بريطانيا وتحمل ترخيصاً رسمياً.

وهذا التباين يُثير تساؤلات حول مرونة المنظومة الرقابية البريطانية مقارنة بما اتخذته دول أخرى من سياسات صارمة تجاه الإعلام المرتبط بأنظمة تُهدّد أمنها.

والمنصّات الإعلامية ذات الخطاب العقائدي المتشدّد لا تقتصر على بث محتوى سياسي، بل يمكن أن تتحوّل إلى أدوات تعبئة صامتة تُعيد تشكيل وعي فئات من الجمهور. فهي تُضعف الثقة بالمؤسسات الرسمية، وتعزّز الانقسام، وتخلق بيئة فكرية قابلة للاختراق من قِبل جهات خارجية.

ومع وجود قناة تحمل هذا التوجّه داخل لندن، تصبح إمكانية استغلالها كغطاء لنفوذ خارجي أو لنشاطات سرية أمراً وارداً، فجذور أي نشاط متطرّف أو خلية نائمة تبدأ من التأثير الإعلامي والثقافي قبل أن تتحوّل إلى تهديد فعلي على الأرض.

ورغم الإجراءات الصارمة التي تتخذها دول غربية أخرى، لاتزال هذه القناة تعمل داخل بريطانيا تحت غطاء ترخيص رسمي، في وقت شهدت فيه المملكة المتحدة محاولات متعددة لاختراق أمنها من قِبل جهات إيرانية، الأمر الذي يُثير تساؤلات حول قدرة منظومة الرقابة على مواكبة التهديدات المتجددة.

إن سحب ترخيص أي منصة تروّج لأيديولوجيات مرتبطة بكيانات مصنفة إرهابية ليس قراراً سياسياً، بل ضرورة لحماية المجتمع. فحرية الإعلام لا تعني السماح بتطبيع العنف أو تمرير خطاب يحمل تهديداً مباشراً للسلم المجتمعي.

كما أن ظهور شخصيات على شاشة القناة يمنحها غطاءً اجتماعياً يسهّل تمرير خطابها العقائدي، ويُنظر إليه كدعم غير مباشر لأجندات تتقاطع مع أنشطة تُهدّد الأمن القومي، الأمر الذي يزيد من خطورتها ونفوذها داخل الجاليات.