أسعد كثيراً، وبصدقٍ يشبه الفخر، حين أقرأ خبراً يبشّر بإنجازات طلاب مدارسنا الحكومية ويقدّم للعامة نماذج صغيرة في العمر، كبيرة في الموهبة.

الأسبوع الماضي كتبتُ مقالاً عن ثلاثة طلبة مبدعين قادتهم معلمتهم القديرة لإنتاج قصة تربوية جميلة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. واليوم، أجد نفسي أكتب من الدافع ذاته، بعد أن قرأت خبر مبادرة «أقلام بارعة» التي أطلقها المعلم مصطفى نعمان شكر من مدرسة البديع الابتدائية للبنين، والتي أثمرت مجموعة قصصية كتبها طلاب الصف السادس، وزُوّدت برسوم أنتجتها برامج الذكاء الاصطناعي لتكتمل اللوحة بجمال معرفي وتربوي لافت.

هذا النوع من الأخبار شهادة حية على ما يمكن أن يحدث حين يؤمن معلم بقدرات طلابه، ويفتح لهم الباب ليحلموا ويكتبوا ويفكروا. مبادرة واحدة، ومعلم واحد، وصنف واحد من الطلاب يكفي ليثبت أن الإبداع لا يحتاج سوى إلى عين ترى، ويد ترشد، وثقة تُغرس في الصغار فينطلقون أبعد مما كانوا يتوقعون.

وما يزيد هذا الفرح رسوخاً هو أن وزارة التربية والتعليم باتت تسلّط الضوء على مثل هذه الجهود النوعية، وتُخرجها إلى العلن بدل أن تبقى حبيسة أسوار المدارس. والحقيقة أن جيلاً، ممن درسوا في المدارس الحكومية، يعرف تماماً قيمة هذا النظام التعليمي الذي تعاقب على إدارته وزراء كرام حرصوا على أن تبقى مدارسنا بيئة جادة، منضبطة، فيها من المعلمين الأكفاء من يجعل التعليم رسالة قبل أن يكون وظيفة. واليوم، نرى استمراراً لهذا النهج، وتطويراً واسعاً فيه، عبر دعم الإبداع، وتمكين المواهب، وتشجيع التكامل بين التعليم والتقنية الحديثة.

إن إنجاز هؤلاء الطلبة الثلاثة، صالح ميرزا عبدالنبي، وحسين عبدالقاهر المحاري، ويوسف ماجد الماجد، درس تربوي عميق في معنى التشجيع، ومعنى أن تمنح طفلاً فرصة ليكتشف نفسه. لقد قالوا إن الكتابة ساعدتهم على التعبير عن مشاعرهم وعززت تفكيرهم، وهذه شهادة ثمينة تُكتب بالذهب، لأنها تذكّرنا أن المدرسة ليست فقط مكاناً للدروس، بل فضاء لتكوين الشخصية وبناء العقل وصياغة الخيال.

من هنا، تبرز الرسالة التي تستحق أن تُقال بوضوح، إذ مثل هذه المبادرات يجب أن تُبرز، ويجب أن نحيي فيها روح الاجتهاد، ونحتفي بأبنائنا حين يتقدّمون خطوة واحدة نحو الإبداع. نحن بحاجة إلى نماذج إيجابية تُحدث «عدوى إيجابية» في بقية الطلبة، وتُعيد تشكيل المزاج العام في مدارسنا نحو مزيد من الطموح والمثابرة.

إن قصصاً كهذه نعتبرها مؤشرات على مستقبل واعد، يصنعه طالب موهوب، ومعلم مؤمن، ووزارة تمنح الضوء الأخضر لكل فكرة خلاقة.