في كل عام، تتجدد البحرين ببهاءٍ مختلف حين يُضاء مشهدها الوطني برعاية صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة ملك البلاد المعظم، رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، للاحتفاء بيوم المرأة البحرينية، غير أن هذا العام يأتي بطابعٍ أعمق وأصدق، إذ اختارت النيابة العامة أن تمنح المناسبة بُعداً فكرياً ومؤسسياً جديداً، من خلال ملتقى «المرأة البحرينية في المجال القضائي والقانوني: تميز، إبداع، وابتكار»، الذي يجمع رموز القضاء والقانون والجامعات في لوحةٍ وطنيةٍ تُجسّد نضج التجربة البحرينية في تمكين المرأة من أرفع ميادين العدالة وسيادة القانون.

هذا الملتقى لا يأتي في سياق الاحتفال فقط، بل في سياق البناء والتأمل والتخطيط، أن يُعقد في السادس والعشرين من نوفمبر، أي قبل أسبوعٍ من يوم المرأة البحرينية، ليس تفصيلاً زمنياً عابراً، بل رسالة فلسفية متعمّقة تقول إن البحرين لا تنتظر لحظة التصفيق، بل تسبقها بخطوة لتحتفي بالعقل قبل الحضور، وبالفكر قبل المظهر، فتمكين المرأة هنا لا يُختزل في يومٍ وطنيّ، بل يُمارس كل يومٍ كمشروع دولةٍ تعي أن العدالة لا تستقيم إلا إذا تشارك فيها العقلان؛ الرجل والمرأة، على قدم المساواة في المسؤولية والمكانة.

لقد تجاوزت المرأة البحرينية مرحلة المشاركة الرمزية لتصبح صانعة للقرار القانوني ومهندسة لفكر العدالة الحديثة، فالإحصاءات تُظهر تضاعف تمثيلها في القضاء والنيابة العامة خلال العقدين الأخيرين، وتوليها مناصب قيادية بنسبةٍ تتجاوز الخمسين في المئة في بعض المؤسسات، وهي أرقامٌ لا تعبّر فقط عن زيادة عددية، بل عن تحولٍ ثقافي عميق في مفهوم العدالة ذاته، إذ باتت المرأة تسهم في تفسير النصوص، وصياغة التشريعات، وبناء منظومة قانونية أكثر إنسانيةً ومرونة.

وفي عمق المشهد، يحمل الملتقى بُعداً مستقبلياً يتجاوز التكريم إلى التفكير في شكل العدالة القادمة، فالتحول نحو العدالة الرقمية وحوكمة البيانات القانونية يفتح أفقًا جديدًا لدور المرأة البحرينية في صياغة القوانين الذكية التي توازن بين التقنية والضمير الإنساني، وهنا، تبرز البحرين كدولةٍ تُعيد تعريف العدالة من منظورٍ مؤنثٍ لا بمعناه الجندري، بل الفكري، حيث تُضفي المرأة على القانون بُعداً وجدانياً يضمن أن تبقى العدالة حية لا باردة، إنسانية لا آلية.

إن عقد الملتقى قبل يوم المرأة البحرينية يُشكل مقدمة فكرية للاحتفاء الحقيقي بما تم إنجازه، وكأن الدولة تكتب الفصل الأول من كتاب التمكين قبل أن تحتفل بخاتمته، فاليوم الوطني للمرأة لا يصبح إذًا مناسبة للثناء، بل لحصاد ما زرعته العقول والمؤسسات، وفي ذلك تجسيد لوعيٍ بحرينيٍ راسخ يرى أن الاحتفال بالمرأة لا يبدأ في الأول من ديسمبر، بل في كل لحظةٍ تبني فيها لبنةً في صرح العدالة، إنها البحرين وهي تمضي بثقةٍ نحو المستقبل، تختار أن تكتب قانونها بيدٍ نسائية تعرف أن الإنصاف لا يُعلَن، بل يُمارس، وأن العدالة حين تنطق بلسان امرأةٍ بحرينية، فإنها تُعيد تعريف الإنسانية ذاتها.

* إعلامية وباحثة أكاديمية