انطلق برنامج «قدها» متصدراً المشهد الوطني ومتجاوزاً حدود التجربة الحماسية التقليدية، ليقدّم نموذجاً واقعياً حياً لمستويات التدريب العسكري، ورسالة وطنية تحمل في جوهرها قيماً راسخة ودروساً تُبنى عليها شخصيات أكثر وعياً وصلابة. وقد جاء «قدها» ليصنع مساراً مختلفاً، ويرفع سقف التحدي، ويقدّم تجربة غير مسبوقة في الإعلام العسكري الوطني، تجربة تُعلي من قيمة الانضباط والمسؤولية قبل المتعة، وتُعيد الاعتبار لفلسفة التدريب الجاد الذي لا يكتفي بالعرض أو المنافسة، بل يزرع الوعي ويختبر الإرادة ويعيد تعريف القوة لدى المشاركين.
لقد عاش المتنافسون تجربة أقرب ما تكون إلى الواقع العسكري، ضمن ظروف تحاكي بيئة الميدان بكل تفاصيلها: غذاء محدود، تدريبات مضنية، اختبارات ذهنية وجسدية قاسية، وتحديات تحمل في طياتها مخاطر حقيقية، وعقوبات جماعية تؤكد على مبدأ المسؤولية المشتركة. هذه التجربة عززت مفهوم «القوة الواعية» القائمة على الانضباط والفكر والاتزان النفسي، وهو ما يشكل جوهر أي منظومة عسكرية محترفة.
وفي قلب هذه التجربة برز دور رئيس المدربين العقيد الركن أحمد المهزع الذي يستحق كل التحية والتقدير على ما قدمه من حضور مؤثر وأسلوب حازم جمع بين المهنية العالية والقدرة على فرض الصرامة المناسبة لطبيعة التدريب العسكري، لقد كان مثالًا حيًا على أن إعداد الرجال مهمة وطنية تتجاوز حدود العاطفة، وتتطلب رؤية واضحة وبصيرة راسخة؛ فالمدرب العسكري مهما بدا صارماً يبقى إنساناً يحمل في داخله مشاعر صادقة، لكنه يعلم أن واجبه يقتضي ضبطها وتقديم المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. ولا يمكن إغفال دور بقية المدربين الذين شكلوا عماد البرنامج، وما قدموه من دعم ومتابعة وتشجيع المتنافسين أثناء التدريبات، وكان لهم فضل كبير وجهود ملموسة في دفع المشاركين نحو الإصرار والصمود.
ومن عناصر تميز البرنامج مشاركته لشرائح عمرية متنوعة، بما يؤكد مبدأ عدالة الفرصة، ويكشف أن لكل شخص قدرات كامنة لا تحتاج سوى بيئة مناسبة لتبرز . لقد منح «قدها» فرصة للشباب لاختبار أنفسهم، وتعزيز ثقتهم، بما يتجاوز حدود توقعاتهم. هذا البعد الاجتماعي ترجم أثرًا عميقًا في تشكيل وعي الشباب، والذي يعد من أهم مكتسبات التجارب الوطنية.
لقد كان «قدها» مدرسة وطنية متكاملة، جمعت بين التدريب والانضباط والإلهام، وقدم درسًا جوهريًا مفاده أن بناء الإنسان هو أساس بناء الوطن، وأن من يحمل مسؤولية الخدمة العسكرية يحمل أمانة عظيمة لا ينهض بها إلا من كان “قدها”. وكل مشارك غادر البرنامج وهو أكثر وعياً ونضجاً وانضباطاً، بعد أن أعاد تشكيل أفكاره، ورأى صورته الحقيقية في لحظات القوة والضعف.
لقد حملت هذه التجربة معاني الاعتماد على النفس والالتزام بالنظام، والتهيؤ لتحمّل أقسى الظروف؛ آلام تُواجه، وفترات ممتدة من الصمود تُختبر فيها الإرادة. كانت الرحلة سلسلة متواصلة من التحديات، تتطلب تجاوز حدود الطاقة والقدرة، مع مواجهة طرق وعرة وأحمال ثقيلة وجهد يستنزف كل الموارد، دون أن يترك مجالًا للاستسلام حتى في أصعب اللحظات. وفي خضم هذه التجربة، واجه كل مشارك نفسه، مثبتاً قدرته على الثبات أمام ما كان يظنه فوق الاحتمال، وفي الوقت ذاته اكتشف صداقات حقيقية، وولدت من قلب المواقف الصعبة. وقد عززت هذه الروابط قيمة العمل الجماعي، إذ أثبت المشاركون أن التعاون والمساندة هما أساس النجاح في أي بيئة صعبة. وجاءت الخاتمة محمّلة بمشاعر الفخر وصدى تجربة استثنائية تركت أثرًا عميقًا في النفوس، مزيجًا من القوة الشخصية والانتماء الجماعي.
كمتابعين.. شهدنا مواقف مؤثرة وطريفة ومشرّفة؛ رأينا من يرفع زميله، ومن يدعمه ويثق به، ومن يكتشف في ذاته قدرات لم يظن أنها موجودة، وآخرين ظنوا أن التحدي أكبر منهم فأثبتوا العكس.
لقد كان «قدها» أكثر من برنامج تلفزيوني؛ كان مشروعًا وطنيًا لتعزيز الانتماء وترسيخ المسؤولية، ورسم خارطة طريق لجيل مستعد لمواجهة تحديات المستقبل بثقة وثبات. ولا عجب أن يحظى بهذا المستوى من التقدير والإشادة من داخل البحرين وخارجها.
وفي هذا السياق لا ننسى أن نشيد بكل أمانة بمستوى الطاقم الإعلامي وما قدّمه من إنتاج وإخراج احترافي أبرز البرنامج بمستوى يليق بمضمونه العسكري والوطني. فقد جاء التصوير دقيقاً والتفاصيل محكمة، والإخراج ديناميكياً يمنح المشاهد إحساس الحضور، مدعومًا بمؤثرات صوتية ومعالجة بصرية رفعت من مستوى التأثير. لم يكتفِ الإعلام بنقل التجربة، بل صنع قيمة إضافية لها، ورسّخ قدرة الإعلام البحريني على تقديم محتوى تنافسي بمعايير عالمية. والشكر موصول لجميع طاقم البرنامج بمختلف مهامهم وتصنيفاتهم الوظيفية وطاقم البرنامج بأكمله سواء من تواجدوا في جميع المواقع أو من كانو يعملون خلف الكواليس، باختصار (شكرا لفريق قدها بأكمله).
وفي ختام هذه التجربة الوطنية، نبارك للفائزين الذين استحقوا الفوز بجدارة، كما نثمّن جهود جميع المشاركين الذين واجهوا التحديات بإصرار وعزيمة واقتدار ولمن وصلوا لمراحل متقدمة.
ولا يعد كل من خسر هذا التحدي بأنه غير كفؤ، بل إنه حاول واجتهد، وفي النهاية لابد أنه خرج بنسخة أقوى من نفسه، وهذا بحد ذاته يعد إنجازاً.
وختاماً، نفتخر بقيادة قوة دفاع البحرين وكافة منتسبيها، لما يتمتعون به من تمكن وجاهزية عالية وخبرات متقدمة في مختلف المجالات العسكرية والتكتيكية، هذا المستوى من الكفاءة يعكس متانة منظومتها الدفاعية واحترافية كوادرها في حماية الوطن وتعزيز الأمن والاستقرار. ولا شك بأن هذه الإنجازات تعد دليلاً واضحاً على التزام البحرين المستمر بتطوير قدراتها وصقل كوادرها، وضمان أن يظل الوطن آمناً ومحصناً أمام كل التحديات، حيث تبقى دائماً قوة دفاع البحرين ركيزة أساسية للطمأنينة الوطنية وتحقيق الازدهار المستدام.