عند خروجي من العمل في مساء الخميس بدت المنامة أمامي مختلفة، كأنها ارتدت عباءة استقبال واسعة تعلن قرب موعد خليجي استثنائي، الشوارع اتشحت بأعلام الدول الشقيقة، وصور القادة ترتفع على أعمدة الإنارة والميادين في تناغم يضفي على المدينة روحاً أخرى، كنت أسير وأشعر أن المنامة تتحوّل شيئاً فشيئاً إلى بيت كبير يرتّب مقاعده قبل وصول أهله، بيت خليجي كبير يعرف أن اللقاء يتجاوز المراسم الرسمية، فهو أشبه بحالة وجدانية تتجدد كلما اجتمع قادة الخليج على أرض البحرين.

هذا المشهد يحمل في طياته إحساساً عميقاً بالامتنان، فاللحظة التي يجتمع فيها القادة تمنح شعوب الخليج فرصة نادرة للتفكير في المستقبل بصوت واحد، وتفتح أمامهم باباً لتخيّل الغد بطريقة أكثر قرباً وترابطاً.

ورغم جمال هذا المشهد، تبقى أسئلة المواطن الخليجي أكثر قرباً للواقع، فنحن نحلم منذ سنوات طويلة بمشاريع ترافقنا في مجالسنا، ونتداولها في الرحلات والأصدقاء والزيارات، وكأنها جزء من هوية مشتركة لم تكتمل بعد، وهنا يبرز السؤال الذي يتردد في ذهن كل خليجي، هل ستحقق القمة بعض هذه الأحلام؟

أول هذه الأمنيات حلم القطار الخليجي، قطار واحد يمر على مدن الخليج كما لو أننا نتحرك داخل حدود مدينة واحدة واسعة تمتد من الكويت حتى مسقط، وهذا الحلم يتجدد مع زيارتنا لأوروبا وتنقلنا بين بلدانها، فنتساءل، متى سنحصل على هذه الميزة وهي السفر السريع بين العواصم الخليجية، فهذه الشبكة تمنح شعوراً بالانتماء العملي، وتحرّك التجارة والسياحة والتعليم والعمل بمنطق جديد، تخيّل أن يذهب الموظف في رحلة عمل إلى دولة خليجية في الصباح ويعود مساءً بسهولة، دون الحاجة لمطارات وإجراءاتها، هذا الحلم لايزال حاضراً، ويزداد واقعياً مع كل خطوة تخطيط جديدة.

ثم هناك حلم الجسر الذي يربط البحرين بقطر، ذلك المشروع الذي بقي حاضراً في الوعي الخليجي كخطوة تنتظر اللحظة المناسبة، الجسر يعني تواصلاً جديداً بين العائلات، وفرصاً اقتصادية في اتجاهين، ومجالاً اجتماعياً مشتركاً يتوسع يوماً بعد يوم، وهو مشروع يشعر به الناس مباشرة، لأن كل متر فيه يعادل مسافة وجدانية بين شعبين.

ويتكرر الحديث دائماً عن حلم العملة الخليجية الموحدة، فكرة يتمنى الكثير أن تتحقق لأنها تمثل استقراراً مالياً مشتركاً، وتسهّل حركة الاستثمار، وتخلق سوقًا أكثر قوة في مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية، هذا المشروع كبير ويتطلب توافقاً واسعاً، لكنه يظل من الأحلام التي تراود كل من يؤمن بأن الخليج قادر على صياغة مستقبل اقتصادي متماسك.

وهناك حلم الحدود المفتوحة والنقاط الموحدة، حلم الإنسان قبل الخبير الاقتصادي، التنقل السهل بين دول الخليج يصنع شعوراً حقيقياً بأن هذه المنطقة وطن واحد يمتد بين الساحل والبر، كثيرون يتمنون أن يتحول العبور بين الدول إلى تجربة بسيطة وسريعة، لا تختلف عن التنقل بين مدن الدولة الواحدة.

فالقمة الخليجية تمثّل لحظة يتجه فيها الخليج إلى آفاق جديدة، ولحظة ينتظر فيها المواطن خطوات عملية تلامس حياته اليومية، سفر أسهل، جسر أقرب، مشروع يتحرك، وفكرة تتقدم نحو النضج، وهذه التطلعات ترافق كل اجتماع خليجي، وتفتح الباب أمام أجيال كاملة تتطلع لمستقبل أكثر ترابطاً.

ويبقى السؤال الذي يدور في ذهن كل خليجي: هل تقترب الأحلام من الواقع؟

الإجابات تأتي تدريجياً، وتظهر عبر المشاريع التي تُطلق، والرؤى التي تتبلور بالتدرّج، والقرارات التي تُمهّد لمرحلة أكثر تناغماً بين دول المجلس، وفي هذه المساحة، يبرز دور القادة الذين يحافظون على نهج التعاون، ويواصلون العمل على بناء بيت خليجي موحّد تستند قوته إلى الاستقرار والتكامل.

ومجلس التعاون الخليجي، بما يحمله من مسؤولية تاريخية، يواصل دوره في خدمة الخليج والعالم العربي، ويمنح الصوت العربي حضوراً ووزناً في القضايا التي تمسّ الأمن والتنمية، هذا الثبات في الموقف يعكس رؤية واسعة لا تقتصر على حدود دول المجلس، وإنما تمتد إلى مصالح الأمة العربية كلها، وتدعم استقرارها ومسارها نحو التنمية.

وحين يجتمع القادة في المنامة، يشعر كل خليجي بأن المسافة بين الطموح والواقع تتقلص، خطوة واحدة تكفي لإحياء الأمل، وتعزيز الثقة بأن العمل الخليجي المشترك قادر على صياغة مستقبل يليق بشعوبه، ويمنح المنطقة كلها قوة إضافية تستند إلى وحدة الرؤية وصدق التوجه.