تشهد المنطقة لحظة مواجهة صريحة مع منظومات عقائدية تتعامل مع الشرق الأوسط كمنصة دائمة للفوضى، لا كمنطقة دول ذات سيادة. فمن أستراليا التي صنّفت الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، إلى واشنطن التي رفعت سقف المواجهة حين وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يوجّه بإطلاق عملية رسمية لتصنيف عدد من فروع الإخوان المسلمين كـ «منظمات إرهابية أجنبية»، تتشكّل أمامنا ملامح مرحلة جديدة لا مساومة فيها مع التنظيمات التي تعمل فوق الدولة وتحتّم انهيارها.

وجاء في نص الأمر التنفيذي أن بعض فروع الإخوان -خصوصاً في لبنان ومصر والأردن- «تُغذّي الإرهاب، وترتكب أو تُسهّل أو تدعم العنف وحملات زعزعة الاستقرار، وتشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي».

بهذه الخطوة، أراد ترامب القول إن الإخوان لم يعودوا مجرد حركة سياسية، بل شبكة عقائدية عابرة للحدود تتبنى مشروع الفكر الإرهابي، وتعمل خارج القانون وتنافس الدول على سلطتها.

وفي الجهة الأخرى، كانت كانبيرا تصل إلى النتيجة نفسها بشأن الحرس الثوري، معتبرة أنه ليس قوة دفاعية داخل إيران، بل غرفة عمليات إقليمية تنشئ الميليشيات، وتدير شبكات التمويل والتجنيد، وتستخدم الفوضى لتمرير مشروع ولاية الفقيه الذي يتغذّى على انهيار الدول العربية.

ويتجلى هذا المشروع بأوضح صوره في لبنان. فالتصريح الصادم الذي أطلقه مستشار المرشد الإيراني -حين قال إن «وجود حزب الله أهم من الخبز اليومي للبنانيين»- لم يكن مجرّد رأي، بل اعترافاً علنياً بعقلية ترى اللبنانيين شعباً يمكنه أن يجوع، لكن لا يجوز أن يتوقف نفوذ الذراع الإيرانية. هذه جملة تكشف منطق الوصاية، ومنطق الاحتلال السياسي المقنّع الذي تتعامل به طهران مع دولة كاملة.

وهنا جاء الرد اللبناني واضحاً وصادماً. قال وزير الخارجية يوسف رجي: «سيادتنا وحريتنا أهم من الماء والخبز... وأهم من أي سلاح عابر للحدود دمّر بلدنا». إنه إعلان بأن لبنان لن يكون بعد اليوم ورقة في يد مشروع خارجي يتخفّى وراء شعارات المقاومة بينما يبتلع أسس الدولة ومؤسساتها.

وفي السياق نفسه، يواصل الإخوان النهج ذاته بأساليب مختلفة. فالتنظيم يعيش على مشروع الفكر الإرهابي الذي يخلق سلطات موازية داخل المجتمع، ويستخدم الدين والسياسة كغطاء لاختراق الدولة وتقويضها، ما يجعله جزءاً من المعادلة التي تهدد الاستقرار الإقليمي.

ورغم هذا المشهد المضطرب، يحاول لبنان انتزاع خطوات سيادية ذات دلالة، أبرزها ترسيم حدوده البحرية مع قبرص، وهي خطوة تشير إلى أن الدولة لاتزال قادرة على اتخاذ قرارات مفصلية خارج النفوذ المفروض عليها. إنها محاولة لإعادة تثبيت مبدأ السيادة في بلد تعرّض لمحاولات متواصلة لإلغاء دوره وتحويله إلى ساحة صراع إقليمي.

إن المنطقة تواجه اليوم مشروعاً لا يخفي أهدافه:

الحرس الثوري يريد دولاً بلا سيادة، حزب الله يريد لبناناً بلا دولة، والإخوان يريدون مجتمعات بلا مؤسسات.

والقاسم المشترك بينهم:

مشروع الفكر الإرهابي الذي يبتلع القانون، ويمزق الدول، ويحوّل السلاح إلى سلطة فوق الشرعية.

والخيار أمام شعوب الشرق الأوسط واضح تماماً:

إما دول ذات سيادة.. أو ساحات تابعة لمكاتب الحرس الثوري.

لا حلول وسط، ولا مناطق رمادية.

ومن لا يواجه مشروع ولاية الفقيه والسلاح الموازي، يصبح شريكاً في انهيار وطنه.

لقد حان الوقت لقولها بلا تردد:

هذه أرض دول.. لا أرض ميليشيات.

وهذه شعوب.. لا أدوات في مشروع إيراني يتغذى على الخراب.