عندما نقول «الحياة الجميلة»، فإنما نعني تلك الحياة المليئة بالخير، المُحِبّة لما عند الله تعالى من أجور، المتعطِّشة للفردوس الأعلى، المكسوّة بعمل الخير والصالحات والطاعات. فترى صاحبها قد آثر أن يسير في طريقها، وآثر أن يكون صاحب همّة وأثر وبصمة إيجابية إيمانية واضحة تتحدث عنها الأجيال. صاحبها يحب الحياة، ويحب حراكها الجميل في عمل الخير؛ فلا ترى إلا الابتسامة بادئة على وجهه، ولا يتحدث إلا عن إيجابيات الحياة وإيجابيات الأمور، ويترك ما سوى ذلك من السفاسف المؤذية، والمسالك المشبوهة، والعلاقات السامة، فتراه دائماً مُتصدّراً للخير.
وجدير بنا أن نعاهد أنفسنا، ونراجعها على الدوام، ونستيقن بأن التوفيق والأرزاق والبركة إنما هي بيد الله تعالى أولاً وأخيراً؛ فإن أحسنت في حياتك، وكنت قريباً منه، وحرصت على ما يُحبه ويرضاه، فإنك حينها ستحصد ولو شيئاً يسيراً من الخير الذي ترجوه. وإن مُنع عنك الخير، فلعل في المنع سبباً ما، حينها عليك أن تراجع نفسك! فالأرزاق تتوزع مقامات بين عباد الله تعالى المخلصين الأوفياء الصالحين، نحسبهم كذلك والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحداً. لذا، فكن على يقين دائم بأنك سترى التوفيق في حياتك إن أحسنت علاقتك بالرحمن، في كل يوم تبدأه، وفي كل اختبار أو عمل أو زواج أو فوز في مباراة أو نجاح في مسابقة أو بركة في المال، وغيرها من شؤون الحياة. علاقة قائمة على حب الله تعالى والخوف منه، وعلى أداء ما افترضه علينا من فرائض وسنن، والعمل بهدي النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، ثم تأتي بركة الأعمال الصالحة التي قمت بها في مواقف عديدة من حياتك؛ من برّك بوالديك ودعواتهما، وصدقاتك، وحفظك وقراءتك للقرآن، وسعيك في أبواب الخير وغيرها.
عندما كُتب لي أن أكون ضمن قائمة الاصطفاء الذين اصطفاهم المولى الكريم لخدمة حجاج بيت الله الحرام، في العام الماضي مع نخبة من المخلصين في حملة صهيب الرومي، حينها حمدت الله تعالى وشكرته، لأنه لم يحرمني هذه اللذة الإيمانية. فعندما تكون دائماً في ركب العاملين في خدمة وفود الرحمن في أجمل رحلة في العام على الإطلاق، فمن الصعوبة بمكان أن تُحرم لذة هذا العطاء في أطهر البقاع، ولذة خدمة ضيوف الرحمن. سبحان الله... في كثير من الأحيان تسعى لمثل هذه المواطن، لتحجز مقعدك مبكرًا، حتى تعيش أحاسيسك هذه المواقف طيلة أيام العام، وتبقى متعلّقاً بتلك المشاهد المؤثرة، وتلك اللقطات التي يلتقطها الحجاج وتبقى أثراً ملموساً في حياتهم ينشرونها بين الحين والآخر. شكراً لحملة صهيب الرومي، وعلى رأسها الدكتور صهيب شريف، التي أتاحت لي فرصة العمل بين صفوفها، لأنثر الخير، وأسكب في نفسي أولاً ماء الإيمان المتجدّد، ثم أنثر قيم الأثر في النفوس المتعطشة للقرب من الله تعالى وتعلّم شمائل الخير التي لعلهم افتقدوها في حياتهم البسيطة. نحن على شوق لتلك اللحظات، ونسأل الله تعالى أن يبارك في صحتنا وأعمارنا وأعمالنا، حتى نخدم حجاج بيته الكريم على الوجه الذي يرضاه عنا.
يأتيك من بعيد مشتاقاً، فرحاً برؤيتك، فيحتضنك ويقبّلك، ويذكّرك بالماضي الجميل الذي جمعك به. والأجمل أن تكون حينها صغيراً قد زامل أخاك الأكبر، ويسأل عنك في لحظة فرح وسرور. مثل هؤلاء الذين تلتقي بهم بين الحين والآخر، وبخاصة في أزقة فرجان المحرق ضمن مسار اللؤلؤ في ليالي المحرق الجميلة، تحمد الله تعالى أن جمعك بهم بعد كل تلك الفترة. فتتجدّد في نفسك مشاعر الحياة الجميلة، وتنسكب أصداؤها فتُذهب أكدار الحياة. ومثل هؤلاء قد أحبوك «من قلب صادق»، وأحبّوا صنيعك معهم، فلم ينسوا لحظات جميلة قضوها معك، وكنت في حياتهم أثراً ملموساً لا يُنسى، ويتمنّون ردّ الجميل يومًا ما. هي أصداء تفرح بها، لأنها تعد «دعوات مرفوعة إلى السماء» تعطر حياتك بالخير والبركة.
وقد أرسل لي أحد تلامذتي ممّن درّستهم في مدرسة البسيتين الابتدائية للبنين رسالة جميلة، عبّر فيها -بعد تلك السنوات الطويلة- عن صادق امتنانه واعتزازه بتلك الفترة التي تتلمذ فيها على يدي. ورغم أنه كان طفلًا حينها، إلا أنه مازال يستذكر تلك الذكرى والأثر الطيب في نفسه، وأن والديه مازالا يذكرانني بالخير. هي من النعم الجميلة التي أحمد الله تعالى عليها؛ ففي بعض الأحيان تأتيك الدعوات في هيئة رسائل، لعلّك لم ترَ صاحبها منذ أمد بعيد، لكنها كلمات تذكّرك بأن العطاء وأثره لا ينبغي أن يتوقف لحظة ما دمت تتنفس الحياة الجميلة. نعم، فالحياة جميلة بصنيع الأعمال الجليلة، وجميلة بالخير الذي تسكبه في نفوس الآخرين، فكن على موعد دائم مع أعمال الخير وصالح الأعمال.
عِش لحظاتك الجميلة مع من تحب، واحتفل بإنجازاتك، وتذكر المناسبات الجميلة لمن تُحب، واجعلها لحظات تُبهج نفسك وتُمتعك بأرزاق الحياة الجميلة. وابتعد خطوات كثيرة عن كل ما يعكر صفو حياتك، وبخاصة عن المواطن التي تُذكّرك بالمواقف الأليمة والمؤلمة، التي وخزك أصحابها يومًا بألم لم يبرأ بعد. لعلّك سامحت، ولكن لن تبقى الصورة كما كانت، لأنك دائماً تسعى لحياة يسودها الارتياح والسعادة، تعيشها من أجل رضا الرحمن الرحيم، ومن أجل أن تكون دائمًا شعلة تضيء حياة الآخرين بالأثر الجميل.
ومضة أملاللهم أدم الخير والبهجة والسعادة في حياتنا، واحفظنا من كل شر وسوء وبلاء وسقم.