في مشهدٍ يعكس مكانة مملكة البحرين اليوم في محيطها الخليجي، ترأَّس حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظَّم ورئيس الدورة الحالية للمجلس الأعلى، أعمال القمة الخليجية السادسة والأربعين في قصر الصخير، مؤكِّداً عبر كلمته السامية أن أمن دول مجلس التعاون وازدهارها كُلٌّ لا يتجزَّأ، وأن وحدة الصفّ هي الخيار الاستراتيجي لمستقبل المنطقة. جاءت القمة لتثبِّت البوصلة على أولويات الأمن الجماعي والتكامل الاقتصادي والتنمية المستدامة.

وقد شكَّلت الكلمة الافتتاحية لجلالته إطاراً ناظماً لمداولات القمة؛ إذ أعادت التأكيد على جدوى النموذج الخليجي في الاستقرار والتنمية، القائم على احترام السيادة وعدم التدخُّل في الشؤون الداخلية، وتعزيز الشراكات الدولية القائمة على الحوار. بهذا الخطاب المتزن، قدَّم جلالة الملك قراءة لدور المجلس كقوة إقليمية فاعلة، لا تكتفي بردّ الفعل، بل تسعى إلى صياغة معادلة توازن جديدة تربط بين الردع والأمن من جهة، والانفتاح الاقتصادي من جهة أخرى.

وانسجاماً مع هذا التوجُّه، جاء إعلان الصخير 2025 ليُترجم رؤية القادة إلى مبادئ عملية واضحة؛ فالإعلان شدَّد على تعزيز الروابط والتكامل بين دول المجلس، واستكمال متطلبات السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي، ودعم مشاريع البنية التحتية والطاقة والاتصالات والمياه والغذاء، وصولاً إلى مواطنة اقتصادية كاملة تعود ثمارها على المواطن الخليجي. كما أولى الإعلان أهمية خاصة لتعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، في إطار استراتيجية خليجية مشتركة تجعل من التحوُّل الرقمي رافعة أساسية للتنمية وجودة الحياة.

ولم يقتصر إعلان الصخير على البعد الاقتصادي؛ بل رسَّخ كذلك مبدأ احترام سيادة الدول ورفض التدخُّل في شؤونها الداخلية، مؤكِّداً أن أيَّ مساس بسيادة دولةٍ عضو يُعد تهديداً مباشراً للأمن الجماعي، وداعماً في الوقت نفسه لجهود إحلال السلام في الشرق الأوسط، وفي مقدِّمته الدولة الفلسطينية المستقلة وفق حلّ الدولتين. كما شدَّد على المسؤولية البيئية، ومواجهة تحديات تغيُّر المناخ، وتوسيع الشراكات الدولية لمحاربة الإرهاب والتطرف، والعمل على جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.

كما عكس حضور رئيسة وزراء الجمهورية الإيطالية الصديقة ضيفة شرف للقمة، وما رافقه من بحث إطلاق إطار جديد للتعاون بين الخليج والمتوسط، إدراك دول المجلس لمركزيّة هذه المنطقة في معادلات الطاقة والممرات البحرية وسلاسل الإمداد، ورغبتها في بناء شراكات أوسع مع القوى الصديقة على أساس المصالح واحترام الهوية. وفي السياق ذاته، جاء تأكيد القادة دعم عضوية مملكة البحرين في مجلس الأمن لعامي 2026-2027 تجسيداً للثقة الدولية في قدرتها على حمل صوت المنطقة والدفاع عن قضاياها ضمن منظومة الشرعية الدولية.

وعلى المستوى البروتوكولي والشعبي، قدَّمت البحرين نموذجاً في كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، حيث عبَّر أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس وممثلوهم عن تقديرهم لأخيهم جلالة الملك المعظَّم على ما أحاطهم به من عناية وترحيب، وأشادوا بحكمته في إدارة جلسات القمة، ما أسهم في تهيئة أجواءٍ إيجابيةٍ للحوار والتوافق على القرارات. وقد عكست شهادات الإعلاميين والخبراء الخليجيين الذين تابعوا أعمال القمة قناعةً بأن «قمة البحرين» محطة مفصلية لتعزيز التنسيق في ملفات الأمن والتنمية والاقتصاد، وترسيخ التكامل الاستراتيجي لصالح حاضر المواطن الخليجي ومستقبله.

وفي خلفية هذا النجاح، برزت الجهود التي بذلتها وزارة الإعلام ومركز الاتصال الوطني وسائر الجهات المعنية في المملكة، من خلال المركز الإعلامي الذي جُهِّز وفق أعلى المعايير المهنية، ليستوعب الحضور الإعلامي المحلي والإقليمي والدولي، ويوفِّر له التسهيلات لنقل صورة شاملة عن القمة ومخرجاتها. وبهذا التكامل بين القيادة الحكيمة، والقرار الخليجي، والأداء المؤسسي، قدَّمت البحرين في قمة الصخير 2025 نموذجاً متقدماً حقّاً في إدارة اللحظات الفارقة، وترسيخ الثقة بقدرة مجلس التعاون على حماية أمنه الجماعي، وصناعة مستقبل أكثر إشراقاً لشعوبه.