مجدداً، يثبت أبناء وزارة الداخلية أن العمل الأمني في البحرين لم يعد يقتصر على حدود المهام التقليدية، بل هو مشروع وطني متكامل يقوم على المعرفة والبحث والتحليل وصناعة الوعي.
فوز الفريق البحثي التابع لعدد من إدارات الوزارة بالمركز الأول في جائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز للبحوث الأمنية 2024 على مستوى دول مجلس التعاون، عن دراسة «الآثار السلبية لشبكات التواصل الاجتماعي على الأسرة الخليجية وانعكاساتها الأمنية»، يُعتبر شهادة إقليمية على نضج التجربة البحرينية وقدرتها على تحويل البحث العلمي إلى أداة لحماية المجتمع وتعزيز قيمه.
هذا الفوز حققه كل من السيد علي أحمد أميني، والدكتورة خولة هزيم الشامسي، ووكيل ملازم ثانٍ علي كاظم السندي، وهو يؤكد ما نكرره دائماً بأن وزارة الداخلية في البحرين تعمل كمؤسسة وعي وفكر وبناء اجتماعي، وهذا يتم وفق سياسة متطورة ومحدّثة باستمرار، أرساها معالي وزير الداخلية، لتجعل من الأمن مشروعاً تشاركياً يحمي الإنسان ويدعم قيمه الأصيلة قبل أن يحمي الحدود والمؤسسات.
دعم البحث العلمي داخل المؤسسات ضرورة وطنية في يومنا هذا؛ فالدراسات تكشف ما قد لا نراه، وتبرز جوانب تحتاج إلى تطوير أو تحديث أو حتى تغيير في السياسات.
هي أداة تتيح لمتخذ القرار أن يستند إلى آراء الناس، وقراءة الواقع، وتحليل الظواهر المجتمعية بطريقة دقيقة تُفضي إلى حلول عملية وفاعلة.
وهذا ما فعله الفريق البحثي حين تعامل مع واحدة من أخطر القضايا المعاصرة، وهي تغلغل وسائل التواصل الاجتماعي في نسيج الأسرة الخليجية، وتأثيرها على العلاقات الإنسانية، وتداعياتها الأمنية.
للأسف، مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت بديلاً عن التواصل الحقيقي، وسرقت من الإنسان جزءاً من حسّه العاطفي، حتى بات بعض الأفراد يعيشون حالة من الانفصال النفسي والاجتماعي، ويتحولون تدريجياً إلى كائنات آلية بلا تفاعل إنساني حقيقي.
هذا التحوّل يحمل تبعات أمنية واجتماعية وثقافية لا يمكن تجاهلها، والدراسة الفائزة لامست هذه الجوانب بعمق، مقدمةً نموذجاً لما يجب أن يكون عليه البحث الأمني الحديث، كبحث علمي، واقعي، وشديد الارتباط بحياة الناس اليومية.
أهمية هذا الإنجاز تتمثل في الرسالة التي يؤكدها، وهي أن البحرين اليوم تسير في نهج يجعل من المعرفة أساساً لصناعة السياسات، ويعطي للأمن مفهومه الشامل الذي يبدأ من وقاية المجتمع، وتحفيز وعيه، وصون قيمه الأصيلة. وهذه الدراسات التي تشخص واقعاً يتغير أمام أعيننا تعدّ خط الدفاع الأول في مواجهة كل ما يهدد إنسانيتنا وهويتنا الاجتماعية.
الرهان على المعرفة هو الخيار الأكثر حكمة. وهذا الإنجاز البحريني يضع أمامنا نموذجاً ملهماً لما يمكن أن يقدّمه البحث العلمي حين يتحول إلى مشروع وطني يهدف لحماية الإنسان، وصون الأسرة، والحفاظ على أصالة المجتمع وسط مساعٍ تستهدف تفككه.