يعد اجتماع مجلس التنسيق البحريني-السعودي الرابع، الذي استضافته مملكة البحرين الأسبوع الماضي، محطة مهمة في مسار التعاون بين البلدين الشقيقين، لما تضمنه من اتفاقيات ومشاريع تعزز التكامل الاقتصادي والاجتماعي، وتؤسس لمرحلة أكثر عمقاً في الشراكة الثنائية، بما ينعكس بشكل مباشر على مصالح البلدين ومواطنيهما.
وتتجلى أهمية هذا الاجتماع في مستوى التمثيل القيادي الذي عكسه، وفي طبيعة الملفات التي طُرحت على جدول أعماله. فانعقاده برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وأخيه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية، يؤكد أن ما تم بحثه يحظى بأولوية مباشرة في سياسات البلدين، ويأتي في إطار متابعة قيادية تهدف إلى تحويل التوجهات المشتركة إلى نتائج عملية ملموسة.
وعلى صعيد الأثر المباشر، يبرز مشروع البدء التدريجي للربط الإلكتروني عبر جسر الملك فهد وتفعيل بوابات الجوازات الإلكترونية باعتباره أحد المكاسب التنظيمية والاقتصادية. فتعزيز انسيابية الحركة بين البلدين يسهم في تسريع التنقل، وتقليص زمن الانتظار، وتحسين كفاءة حركة الأفراد والبضائع، وهو ما ينعكس إيجاباً على قطاعي التجارة والسياحة، ويخفض الكلفة التشغيلية المرتبطة بالنقل والخدمات اللوجستية.
وفي الجانب التقني، تمثل الاتفاقيات المتعلقة بإنشاء مركز بيانات لشركة الاتصالات السعودية (STC) ومد كابل الألياف الضوئية خطوة استراتيجية في دعم البنية التحتية الرقمية. هذا النوع من المشاريع لا يقتصر أثره على قطاع الاتصالات، بل يفتح المجال أمام استثمارات في مجالات الحوسبة السحابية والخدمات التقنية والاقتصاد المعرفي، ويعزز من موقع البحرين كمركز إقليمي جاذب للشركات الرقمية، مع ما يصاحب ذلك من فرص عمل نوعية ونقل للخبرات.
أما في قطاع الطاقة والمياه، فقد حمل الاجتماع توجهاً واضحاً نحو تعزيز الاستدامة والأمن طويل الأمد. دخول شركات كبرى مثل «أكوا باور» للاستثمار في مشاريع داخل المملكة، إلى جانب مشاريع الربط الكهربائي مع محطات الطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية، يعكس رؤية مشتركة تقوم على تنويع مصادر الطاقة، وتحسين كفاءة الإنتاج، وضمان استقرار الإمدادات، وهي عوامل رئيسية تدعم تنافسية الاقتصاد الوطني، وتخفف من التحديات المرتبطة بتقلبات أسواق الطاقة.
وفي الإطار التنظيمي، يبرز الاتفاق الموقع في مجال حماية المنافسة بوصفه عنصراً مكملاً لهذه الشراكة الاقتصادية. فتعزيز التعاون في هذا المجال يسهم في خلق بيئة تجارية أكثر عدالة وشفافية، ويحمي المستهلك، ويدعم نمو القطاع الخاص، ويشجع الاستثمارات الجادة القائمة على الابتكار والكفاءة، بما ينعكس إيجابًا على استقرار الأسواق وتحفيز النمو المستدام.
ولا يقل عن ذلك أهمية ما يتعلق بالاستثمار في العنصر البشري. فالتعاون الأكاديمي وفتح مجالات المنح الدراسية بين جامعة البحرين وجامعة الملك سعود يعكس إدراكاً مشتركاً بأن التنمية الاقتصادية المستدامة تعتمد على إعداد الكفاءات القادرة على إدارة المشاريع المستقبلية وتطويرها، وأن بناء الإنسان يضمن استمرارية هذه الشراكات وتعميق أثرها على المدى البعيد.
وفي هذا السياق، تظل العلاقة بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية أكبر من أي مشروع أو اتفاقية، فهي علاقة تمتد بجذورها في التاريخ، وتقوم على أواصر الأخوّة والتفاهم ووحدة المصير. ليست مجرد ارتباط جغرافي يجسده جسر، بل شراكة راسخة بنيت عبر عقود من الثقة والعمل المشترك.
ومع ما تشهده المرحلة الراهنة من تنسيق متقدم وإرادة سياسية واضحة، فإن المستقبل ـ بإذن الله ـ يحمل آفاقاً أوسع لنقلة نوعية في مسار هذه العلاقة، وخطوات أكثر عمقاً وترسيخاً نحو ترابط أشمل في مختلف المجالات، بما يعزز استقرار البلدين ويخدم مصالح شعبيهما الشقيقين.