حين يُحتفل بمرور عشرين عاماً على تأسيس معهد البحرين للتنمية السياسية، فإننا لا نقف أمام مؤسسة تقيس إنجازاتها بعدد برامجها، بل أمام تجربة دولة أدركت مبكراً أن الاستقرار لا يتحقق فقط بإدارة الأمن، بل ببناء وعيٍ سياسي يستوعب التحولات، ويحمي المجتمع من انقسامات اللحظة وارتباكات الأزمات.

وهذه الرؤية لم تكن وليدة ظرف عابر، بل امتداداً للمشروع الإصلاحي الذي أطلقه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، والذي أعاد تعريف مفهوم الدولة البحرينية الحديثة على أساس: الهوية الوطنية، والمشاركة الهادفة، والتطور المتدرّج المدروس.

لقد تأسس المعهد ليكون أحد أعمدة هذا المشروع، ليس كأداة تعليم، بل كمنظومة لإدارة المعرفة السياسية. ففي التجارب العالمية، الدول التي تتجاهل وعي مواطنيها تجد نفسها محاصرة بتفسيرات خاطئة للأحداث، بينما الدول التي تستثمر في الوعي تبقى قادرة على توجيه مسارها حتى في أشد اللحظات اضطراباً.

والبحرين، خلال العقدين الماضيين، واجهت محطات استثنائية لم يكن يمكن تجاوزها بالقرارات وحدها، بل بالتماسك الاجتماعي ووضوح الهوية، وبوجود مواطن يدرك أهمية الدولة ومفهوم الاستقرار. وهنا برز دور المعهد كرافعة استراتيجية أسهمت في تشكيل فهم وطني موحّد لمشروع الدولة.

لقد مرّ المعهد بمراحل متعددة، من بناء الهيكل والمناهج، إلى توسيع برامج التوعية، ثم مرحلة النضج التي أصبح فيها جزءاً لا يتجزأ من بنية الحياة العامة.

وخلال ذلك، رسّخ المعهد جملة من الثوابت: (أولاً) أن المشاركة السياسية ليست طقساً انتخابياً، بل مسؤولية معرفية. (ثانياً) أن الديمقراطية ليست استعارة رومانسية، بل هندسة دقيقة توازن بين حرية المجتمع واستقرار الدولة. (ثالثاً) أن المواطن الواعي هو خط الدفاع الأول عن التجربة الوطنية في وجه التحديات الداخلية والخارجية.

وعند كل انتخابات، كان المعهد يؤدي دوراً يتجاوز التوعية الإجرائية إلى تأسيس ثقافة انتخابية تحمي المؤسسات من العبث، وتمنح المجتمع القدرة على فرز البرامج واختيار المسار الذي يخدم الدولة لا اللحظة.

كما ساهم المعهد في دعم المرأة سياسياً، وبناء قيادات شابة، وتطوير الفكر الدستوري، وتحصين الساحة العامة من الاستقطاب عبر نشر خطاب يستند إلى القانون والهوية الوطنية، لا إلى الانفعالات العابرة.

وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، أصبح المعهد ممثلاً لخبرة بحرينية ترى أن التنمية السياسية ليست استجابة لضغط خارجي، بل خيار دولة تريد أن تحافظ على سيادتها عبر بناء مواطن قادر على فهم موقع وطنه في العالم.

وقد عزز هذا الدور دعم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، عبر رؤية تنفيذية تجعل تطوير الأداء المؤسسي واستدامة الاستقرار السياسي جزءاً من منظومة متكاملة لبناء المستقبل.

حجر الزاوية

إن حجر الزاوية في تجربة معهد البحرين للتنمية السياسية يكمن في إدراك بسيط وعميق في آن واحد:

أن الدول لا تُحمى بالقوة وحدها، بل بالفهم؛ ولا تستقر بالقرارات فقط، بل بالوعي؛ ولا تتقدم بالسرعة، بل بالاتجاه الصحيح.

وبعد عشرين عاماً، يتأكد أن المعهد لم يكن مؤسسة تدريب سياسي فحسب، بل مشروع دولة ساهم في بناء مواطن يعرف معنى الوطن، ويفهم ثمن الاستقرار، ويمتلك القدرة على المشاركة دون أن يهدد توازنات الدولة التي تحمي الجميع.

وكما قيل: «إن استقرار الدول لا يصنعه اتفاق اللحظة، بل وعي طويل المدى يسبق الأزمات ويتجاوزها».

ومعهد البحرين للتنمية السياسية كان -ولايزال- الجسر الذي يربط بين الرؤية والمؤسسات، وبين المواطن والدولة، وبين الماضي الذي بُني، والمستقبل الذي يجب صناعته.