برز الائتمان الخاص Private Credit؛ الذي يُعرَّف بالإقراض المقدّم مباشرةً للشركات بعيداً عن القيود الصارمة للتمويل التقليدي؛ كواحد من أسرع فئات الأصول نمواً والأكثر إحداثاً للتغيير على مستوى العالم.
ومع تراجع البنوك التقليدية عن الإقراض عالي المخاطر وسعي المستثمرين المتطورين للحصول على عوائد أعلى، بدأ هذا القطاع في ترسيخ وجوده الحاسم في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، مقدّماً فرصاً فريدة للمراكز المالية مثل مملكة البحرين.
وأعتقد أن لدى البحرين فرصاً كبيرة للاستفادة أكثر من الائتمان الخاص بناء على مرتكزات قوية، من بينها أن معظم مؤسسات القطاع المالي جاهزة لتعزيز مساهمته في جعل البحرين مركزاً إقليمياً لنشاط الائتمان الخاص، كما يتمتع مصرف البحرين المركزي بسمعة طويلة الأمد بفضل بيئته التنظيمية المتطورة والداعمة، ويمكنه تكييف أطره -على غرار احتضانه للتكنولوجيا المالية- لترخيص والإشراف على مديري صناديق الائتمان الخاص ومنصات الإقراض، مما يجذب مديري الأصول العالميين لتأسيس قواعد إقليمية لهم في البحرين.
إضافة إلى ذلك، يُعدّ الائتمان الخاص ضرورياً للاقتصاد المحلي للبحرين، وخاصة لقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة «SMEs» الحيوي، فغالباً ما تكافح الشركات الصغيرة والمتوسطة لتأمين التمويل الكافي من البنوك التجارية الكبيرة بسبب المتطلبات الصارمة للضمانات، وهنا يوفر الائتمان الخاص حلاً آخر ربما يكون متقدّماً عن «منصات التمويل الجماعي»، ويمكن للمقرضين الخاصين تقديم حلول ديون مرنة ومصمّمة خصيصاً لكل مؤسسة على حدة.
وبصفتها رائدة في الصيرفة الإسلامية، تتمتع البحرين بموقع مثالي لتطوير هياكل الائتمان الخاص المتوافقة مع الشريعة الإسلامية أو الصكوك الخاصة، ويستفيد هذا الابتكار من الطلب العالمي الهائل على التمويل الأخلاقي والقائم على الإيمان، مقدّماً منتجاً فريداً يمزج بين مرونة الائتمان الخاص ومبادئ التمويل الإسلامي.
كما تسعى أعداد كبيرة من الشركات العائلية العريقة في البحرين وفي جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي للتوسّع أو الانتقال للجيل الجديد، وغالباً ما تتطلّب حلول تمويل غير مخففة للملكية يمكن أن يوفّرها الائتمان الخاص، فضلاً عن أن الصناديق السيادية الضخمة في دول مجلس التعاون الخليجي ومن بينها «ممتلكات»، تسعى لتنويع مخصّصاتها بشكل متزايد نحو الأصول البديلة، بما في ذلك الائتمان الخاص، على المستويين العالمي والإقليمي، مما يوفر رأس مال ثابتاً وقوياً للصناديق الجديدة.
في الواقع لا يمثّل الائتمان الخاص مجرد اتجاه عالمي؛ بل يمثّل فرصة كبيرة للبحرين لتعميق قدرات قطاعها المالي، وتنويع مصادر التمويل للشركات، وترسيخ سمعتها كبوابة مالية إقليمية متطورة.
وستكون قدرة مصرف البحرين المركزي على دمج الائتمان الخاص بشكل استباقي في مشهده التنظيمي هي المفتاح لإطلاق هذه الإمكانات ودعم النمو الاقتصادي الأوسع.