قد يراها البعض عطلات رسمية يملؤها الفرح والاحتفال، تتزيّن فيها البلد بالأعلام، وتُقام الفعاليات في كل مكان، لكن الأعياد الوطنية تحمل في طياتها معان أعمق.
هي مناسبات تربط الإنسان بتاريخ وطنه، وتعيد إحياء الشعور بالانتماء لمسيرة طويلة صنعها من سبقونا من الآباء والأجداد. هي محطات رمزية تعيد وصل الإنسان بأرضه، وتُذكّره بقصته الجماعية، وبالمسار الذي صنعه الآباء حتى وصلت الأوطان إلى ما هي عليه اليوم.
باختصار الأعياد الوطنية هي لحظة وعي مشترك، يتجدد فيها السؤال الكبي، من نحن؟! ولماذا ننتمي إلى هذا الوطن دون غيره؟!
الدول المختلفة تحتفل بأيامها الوطنية لأنها تمثل مفاصل حاسمة في تاريخها؛ لحظات تأسيس، أو استقلال، أو توحيد، أو جلوس قائد شكّل مرحلة جديدة في مسيرتها. هذه الأيام تختصر مساراً طويلاً من التضحيات والقرارات المصيرية، وتتحول مع الزمن إلى رمز جامع يتجاوز التباينات، ويجمع الناس حول معنى واحد هو الوطن. ولهذا، تنظر الدول إلى أعيادها الوطنية كأداة لبناء الذاكرة الوطنية، وحفظ السردية التاريخية.
ما يميز الأعياد الوطنية قدرتها على جعل مفاهيم مثل الهوية والانتماء مشاعر نعيشها في الواقع. عندما يرفع الطفل العلم، أو يسمع قصة وطنه، فهو لا يتعلّم تاريخاً فحسب، بل يشعر بأنه جزء من شيء أكبر. وتتحول هذه اللحظات إلى روابط تربط الفرد بجذوره ومجتمعه. وحين يشارك الشاب أو الموظف أو رب الأسرة في الاحتفال، فإنه يجد نفسه جزءًا من كيان أوسع، له تاريخ ممتد ومستقبل مشترك. وبهذا المعنى، تصبح الأعياد الوطنية لغة بين الأجيال، تُنقل من خلالها القيم، وتُرسّخ بها العلاقة العاطفية والفكرية مع الأرض والدولة.
الهدف الأعمق من الاحتفال بالأعياد الوطنية هو ترسيخ الولاء بمفهومه الإيجابي الواعي، الولاء الذي يظهر في المسؤولية، والعمل، وحماية الإنجازات، والإيمان بمستقبل مشترك. وهنا المجتمعات التي يشعر أبناؤها بانتماء حقيقي لوطنهم تكون أكثر تماسكًا عند مواجهة التحديات. الوطن بالنسبة لهم ليس فقط أرضاً يعيشون عليها، بل مسؤولية مشتركة، ومصير يجمعهم. هذا الشعور الجماعي يعزز من وحدة المجتمع، ويقويه ضد عوامل الانقسام والضعف.
تعزيز الانتماء عنصر حاسم في الحفاظ على الأوطان والمجتمعات. فالدول تُبنى بوعي مواطنيها، وبشعورهم بأن هذا الوطن يعنيهم، وأن استقراره وتقدمه مسؤوليتهم جميعًا. وعندما يضعف الانتماء، تتراجع الثقة، وتصبح المجتمعات أكثر عرضة للتفكك. من هنا، تكتسب الأعياد الوطنية دوراً ثقافياً وتربوياً مهمًا، يعيد التذكير بالثوابت، ويحصّن الهوية الجماعية من التآكل.
في البحرين، يكتسب شهر ديسمبر مكانة خاصة في قلوبنا. شهر مليء بالمناسبات الوطنية، وفي مقدمتها العيد الوطني وعيد الجلوس، ليشكّل مساحة زمنية مكثفة لاستحضار التاريخ، وتجديد العهد مع الوطن. بالنسبة لنا هي حالة شعورية عميقة ترتبط بالهوية، وبمسيرة المملكة، وبالعلاقة المميزة التي تجمع الناس بقيادتهم وأرضهم. ديسمبر بالنسبة لنا هو شهر الانتماء بامتياز، شهر تتجدد فيه المعاني الكبرى، ويُستعاد فيه الإحساس بأن الوطن قصة نعيشها كل يوم، ونحتفل بها لأننا جزء منها، ولأنها جزء منا.