لم تكتفِ الصين بغزو أسواق الولايات المتحدة الأمريكية بالبضائع الرخيصة، بل امتدّ هذا الغزو إلى أرحام النساء الأمريكيات، التي تحوّلت إلى أدواتٍ يستفيد منها مليارديرات صينيون يسعون إلى زيادة عدد أبنائهم وتحسين نسلهم.

تقريرٌ مطوّل ومثير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية مؤخراً، سلّط الضوء على تجارة تعتمد على منظومة متكاملة تُعرف بتجارة تأجير الأرحام. نعم، تقوم نساء أمريكيات بتأجير أرحامهن للحمل من رجالٍ غرباء من مختلف دول العالم، مقابل مبالغ مالية قد تصل إلى 200 ألف دولار للحالة الواحدة..!

وينقل التقرير واقعة لافتة بطلها الملياردير الصيني زو بو، مالك إحدى شركات ألعاب الفيديو، الذي فاجأ قاضية أمريكية بطلب تسجيل 12 طفلاً – بعضهم لم يولد بعد – باسمه رسمياً. وعندما سألته القاضية عن دوافعه، أجاب بأنه يأمل في إنجاب 20 ابناً من الذكور عبر عمليات تأجير الأرحام، ليقوموا مستقبلاً بإدارة شركاته وأعماله.

وتبيّن لاحقاً أن عدداً من هؤلاء الأطفال يتلقون الرعاية على أيدي مربّيات متخصصات في إحدى الولايات الأمريكية، بانتظار استكمال أوراقهم الرسمية تمهيداً لسفرهم إلى الصين.

القاضية رفضت الطلب، وأبدت شكوكاً حول دوافع “زو بو”، على الرغم من أن تسجيل الأطفال الناتجين عن تأجير الأرحام لصالح الآباء يُعد إجراءً قانونياً و سهلاً نسبياً في الولايات المتحدة، لكن ليس لهذا العدد الكبير.

هذه الحادثة كشفت الستار عن تجارة تأجير الأرحام في أمريكا، وهي تجارة لا تخضع حتى الآن لتنظيم تشريعي واضح، ما يفتح الباب أمام استغلالها من قِبل بعض الأثرياء، خصوصاً من الصين، لإنجاب أعداد كبيرة من الأطفال وفق مواصفات محددة. ورغم أن تأجير الأرحام ممنوع قانونياً داخل الصين، إلا أن السلطات الصينية – بحسب التقرير – تغضّ الطرف عن العمليات التي تتم في الخارج، ولا تُظهر تشدداً في إدخال الأطفال المولودين بهذه الطريقة إلى البلاد.

وكما هو معلوم، يحصل كل مولود يُولد على الأراضي الأمريكية على الجنسية الأمريكية تلقائياً وفق الدستور، وهو ما يعني أن رجال الأعمال الصينيين – في هذه الحالات – يضربون عصفورين بحجر واحد؛ إنجاب الأبناء، وضمان الجنسية الأمريكية لهم في الوقت ذاته.

ويشير التقرير إلى أن الصينيين، بمختلف مستوياتهم الاجتماعية، كانوا يلجأون في السابق إلى الإنجاب عبر تأجير الأرحام في أمريكا للتحايل على قانون الطفل الواحد الذي كان مفروضاً في الصين. أما اليوم، وبعد إلغاء هذا القانون والسماح بإنجاب عدة أطفال، فقد تغيّرت طبيعة المقبلين على هذه الممارسة، ليصبحوا من الأثرياء الذين يسعون إلى تكوين عائلات كبيرة، في ظاهرة يرى البعض أنها محاولة لتقليد الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، الذي أنجب أكثر من 11 طفلاً، ويدعو علناً إلى زيادة معدلات الإنجاب.

وقد وجدت دراسة أجرتها جامعة إيموري أن عمليات تأجير الأرحام في الولايات المتحدة تضاعفت أربع مرات ما بين عامي 2014 و2019، وأن الآباء من الصين يشكّلون 41٪ من إجمالي الحالات، وهي نسبة مرتفعة بلا شك.

أما على صعيد التشريعات، فقد انتبه سناتور ولاية فلوريدا ريك سكوت إلى هذه الظاهرة، وتقدّم بمقترح قانون يمنع مواطني بعض الدول – ومن ضمنها الصين – من الاستفادة من خدمات تأجير الأرحام في أمريكا، مبيّناً وجود شبهة اتجار بالبشر.

يبقى موضوع الإنجاب حلماً مشروعاً للكثيرين، وقد يلجأ الإنسان اليائس أحياناً إلى حلول لا تتماشى مع القيم أو القوانين من أجل تحقيق حلمه في أن يكون له ولد. لكن عندما يصل الأمر إلى تجارة بشعة يحكمها المال وحده، فإننا نكون أمام أحد أسوأ تجليات الطبيعة البشرية.