على مدى 25 عاماً، شهدت مملكة البحرين سلسلة إصلاحات شاملة عززت المشاركة السياسية، وحقوق المرأة، والحريات العامة، كما رسّخت موقع المملكة كمنصة للحوار بين الأديان والثقافات، وكمساهم فاعل في الأمن والسلم الإقليمي والدولي. يتخذ هذا المقال من احتفال مملكة البحرين بأعيادها الوطنية وعيد الجلوس السادس والعشرين لحضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم، فرصة لاستعراض المسارات والتراكمات الإصلاحية خلال ربع قرن، في سياق تقييم مدى انطباق التجربة البحرينية على معايير جائزة نوبل للسلام، التي تُمنح لمن أسهم بأفضل عمل لتعزيز الأخوة بين الأمم أو عقد مؤتمرات السلام أو الحد من الجيوش الدائمة. لقد حرصت على تقديم عرض تحليلي وأكاديمي محايد، مستنداً إلى المعايير الرسمية للجنة النرويجية للترشيح والاختيار.

- المعيار الأول: أثر ملموس في الإصلاحات: شهدت البحرين انعطافاً حاسماً في بداية عهد الملك المعظم، حين أصدر في فبراير 2001 عفواً عاماً شاملاً عقب استفتاء ميثاق العمل الوطني، أفرج عن جميع السجناء السياسيين وأسقط القضايا الأمنية وأتاح عودة المبعدين. ووثّقت منظمات حقوقية دولية هذا الإجراء كمصالحة وطنية واسعة أسست لمرحلة جديدة من الاستقرار. كما أكدت وسائل إعلام عربية وغربية أن العفو والإصلاحات الدستورية سمحت بظهور الجمعيات السياسية وعودة المبعدين للمشاركة في العمل السياسي، ما عزز انفتاحاً سياسياً غير مسبوق، وجعل العفو العام نقطة التحول المركزية التي أنهت التوترات، وأعادت الاستقرار الداخلي للبلاد.

- المعيار الثاني: مبادرات ثابتة وطويلة الأمد للسلام مع أثر دولي: تؤكد البحرين التزامها بإرساء السلام المستدام عبر إصلاح سياسي مؤسسي وحريات عامة، مما يجعلها نموذجاً دولياً يحتذى به. منذ مطلع الألفية، أطلق جلالة الملك المعظم مشروعاً إصلاحياً لتوسيع التمثيل الشعبي والمؤسسي، شمل إنشاء مجلس وطني بغرفتيه وإصدار تشريعات في العمل، والحماية الأسرية، والإصلاح الإداري، والاقتصادي. عززت التعديلات الدستورية وميثاق العمل الوطني بنسبة تأييد تجاوزت 98.4% المشاركة السياسية والشرعية الدستورية. على صعيد الحريات، توسعت الجمعيات السياسية، وتنظيم الانتخابات الدورية، وتطوير الإعلام بحرية تعبير مهنية. هذه المبادرات ساهمت في تعزيز صورة البحرين دولياً كمركز للحوار والسلام، باعتبارها نموذجاً أصيلاً في تحقيق الاستقرار والتعايش السلمي.

- المعيار الثالث: التأثير الدولي: برز تأثير البحرين الدولي في تعزيز السلام والحوار عبر مسارات عديدة حيث أنشأت البحرين تحت رعاية الملك المعظم جائزة الملك حمد للتعايش والتسامح، الممنوحة دورياً لأفراد ومنظمات متعددة الثقافات، لدعم قيم السلام والاحترام عالمياً. كما أنشأت مركز الملك حمد العالمي للتعايش والتسامح، وأطلقت برامج أكاديمية ودبلومات في دراسات السلام وحوار الحضارات بالشراكة مع مؤسسات دولية، ونظمت مؤتمرات وورش عمل عالمية. واستضافت المنامة دورياً Manama Dialogue بمشاركة وزراء ودبلوماسيين من أكثر من 50 دولة، مؤكداً دور البحرين كوسيط إقليمي في الأمن والسلام. إضافة لمساهمتها في جهود تحرير الكويت 1990 ودعم الأمن البحري في الخليج، ناشرة خطاب الاعتدال والحوار كبديل للنزاع والحروب، ما يعكس دورها الفاعل في الاستقرار الإقليمي والدولي.

- المعيار الرابع: الاستمرارية، لا الجهود المؤقتة: تُبرز البحرين التزامها بالاستمرارية في الإصلاحات ومبادرات التنمية، مؤكدًا شرط الاستدامة الذي توليه جوائز نوبل أهمية بالغة. لم تتوقف برامج الإصلاح السياسي والاجتماعي والتعليم العالي عند الإنجازات الأولى، بل استمرت رغم الأزمة الاقتصادية 2008، وأحداث 2011، وجائحة كوفيد-19، وموجات العنف والإرهاب الإقليمية والدولية. حافظت المملكة على الحريات السياسية والإعلامية، وزادت الخدمات الوطنية، بما في ذلك تطوير التعليم وزيادة أعداد الطلبة، والمنح، ومشروعات الإسكان، والمراكز والجوائز العلمية المنتظمة. يوضح هذا النهج أن المبادرات ليست مؤقتة، بل منظومة مؤسسية مستمرة تعزز الاستقرار، تحافظ على الحقوق والحريات، وتحقق أثراً طويل الأمد داخلياً ودولياً.

- المعيار الخامس: الاستقلالية والقدرة على إحداث تغيير حقيقي: تجسّد البحرين نموذجاً متقدماً للاستقلالية في اتخاذ القرارات الإصلاحية وتحقيق تغييرات اجتماعية واقتصادية ملموسة. أولت الدولة تمكين المرأة أولوية، وشغلت نساء مواقع قيادية تنفيذية ودبلوماسية وتعليمية، شملت الوزارات، الوكالات، السفارات، ورئاسة مجلس النواب وجامعة البحرين. نفذت برامج تعليمية واسعة، بما في ذلك التعليم الجامعي المجاني وزيادة أعداد الطلبة ونسبة النساء، إلى جانب تطوير شبكة صحية، وإنشاء 40 ألف وحدة سكنية، ودعم السلع الأساسية. أضف إلى ذلك المكرمة الإسكانية الملكية التي شملت إسقاط القروض، رفع الرواتب، ومنح علاوات استثنائية، مستمرة لأكثر من 25 سنة، مؤكدة استمرارية مكتسبات المواطنين وقدرة الدولة على تحقيق تغييرات حقيقية ومستدامة.

تؤكد الأدلة الموثقة أن البحرين تحت قيادة جلالة الملك المعظم هي شريك فاعل في السلم الدولي ساهمت في نشر الاستقرار الإقليمي وأرست مشروعاً فريداً في التنوع الثقافي وحوار الأديان والمذاهب وعززت الحوار بين الحضارات وتمكين الفئات الاجتماعية وتأسيس مؤسسات وجوائز وبرامج تعليمية واجتماعية مستدامة، جميعها متوافقة مع معايير نوبل للسلام. مما يجعلها جديرة بثقة المؤسسات العربية الخليجية والإقليمية التي يجب أن تبادر بترشيح البحرين رسمياً وفق الإجراءات المقررة للترشح للجائزة.