لاحظ سكان صحراء الجزيرة العربية أن القمر يقترن بأشهر نجوم السماء وأبرزها عند العرب، وهي الثريا، ونجد ذلك في أشعار الجاهلية، ومنها ما جاء في شعر امرئ القيس «إِذَا مَا الثُّرَيَّا فِي السَّماءِ تَعَرَّضَتْ تَعَرُّضَ أَثْنَاءِ الوِشَاحِ المُفَصَّلِ»، وهو يعني أنه إذا أخذت الثريا في وسط السماء، كما يأخذ الوشاح وسط المرأة.
وأمرؤ القيس هو حُنْدُجُ بْنُ حُجْرِ بْنِ الحَارِثِ الكِنْدِيُّ «450-500 م»، وسُمي أمرؤ القيس بهذا اللقب لأنه كان «رجل القيس» أي الشدة، وهو رأس شعراء العرب وأشهرهم.
والثريا هي عنقود مفتوح من النجوم يمكن رؤية ستة نجوم منها في الأحوال العادية، ولكن النجم السابع يحتاج إلى قوة، لذلك سماها الأوروبيون «الأخوات السبع»، بينما سماها العرب «بالثريا» لأنهم كانوا يتباركون بها، إذ اعتقدوا أن المطر يأتي عند طلوعها وتكون الثروة.
والثريا تصغير ثروى، وصغّرها العرب لتقارب كواكبها، والثريا معروفة لدى معظم الناس، وخصوصاً كبار السن في دول الخليج العربي والشام والعراق.
ونجوم الثريا هي إحدى الطوالع، وهي قريبة من نجم الدبران في برج الثور.
ويحتل القمر قرابة نصف درجة من السماء، ويتحرك بمعدل 13 درجة كل يوم، ويشاهد الاقتران بالثريا في الأشهر من ديسمبر إلى مايو، وتشاهد الثريا في السماء طوال العام في فترات مختلفة من الليل، ما عدا فترة قرابة 40 يوماً، والتي تسمّى «كنّة الثريا».
والاقتران هنا مقصود به تقارب ظاهري بين القمر ونجوم الثريا «بنات سبع» حيث نشاهد القمر وكأنه يحتضن الثريا طوال الليل بشكل لافت، وبعض الأحيان قد يحجبها «يغطيها» تماماً في ظاهرة نادرة.
وبما أن القمر يدور حول الأرض مرة كل نحو «27» يوماً وثلث والشهر القمري نحو «29» يوماً ونصف، فإن القمر يتقدم يومين في كل شهر عن الشهر الذي سبقه، فإذا كان القمر قد اقترن بالقمر وعمره 13 يوماً «أي في منتصف الشهر - أي يكون في طور «الإبدار»، فإنه سيقارن الثريا مرة أخرى في الشهر الذي سيليه في ليلة الحادي عشر، ثم في الشهر الذي سيليه في ليلة التاسع، وهكذا.
ولاحظ العرب أن كل اقتران للقمر «بعمر محدد» بالثريا تكون الظروف الجوية مختلفة، أي أنه بمثابة روزنامة « تقويم» للطقس أو تنبؤ جوي ودليل للزراعة ؛ فقد كان اقتران القمر بالثريا بعمر 13 يوماً، في ليلة الخميس 4 ديسمبر 2025، وكان عمر القمر عمر 13 يوماً تقريباً «ليلة 13 جمادى الآخرة 1447هـ»، وكانت نسبة الإضاءة بلغت حوالي 97.6%، وعند عرب شبه الجزيرة العربية هو علامة فلكية تقليدية تشير إلى دخول فصل الشتاء، وهو بداية مربعانية «40 يوماً من الهواء البارد»، فصار بذلك مرتبطاً بدخول فصل الشتاء، والغريب أن بعضهم في الشام يرى أن اقتران الثلاثة عشر يوماً هو موعد نهاية البرد القاسي؛ فقد قالوا «إذا ما قارن القمر الثريا لثالثهم فقد ذهب الشتاء»، بمعنى إذا اقترن ليلة الثالث عشر من الشهر، فقد انتهى البرد القارس في بعض المناطق.
ونحن في دول الخليج العربي عندنا خمسة اقترانات للقمر بالثريا مشهورة، ولها أسجاع، وهي قران ليلة « 3 و5 و7 و9 و11»، فتقول العرب:
- عند قران القمر، وعمره 11 يوماً بالثريا، قران حادي: «قران حادي، برد بادي»، «كناية عن بداية البرد».
- عند قران تاسع: «قران تاسع، برد لاسع» «كناية عن قسوة البرد».
- عند قران سابع: «قران سابع، مجيع وشابع» «كناية عن بداية الربيع».
- وعند قران خامس: «قران خامس، ربيع طامس»، «كناية عن ازدهار الربيع».
- وعند قران ثالث: «قران ثالث، ربيع ذالف» أي مغادر، «تعبيراً عن إدبار الربيع، ونهاية موسم الكلأ».
- وعند قران واحد أو حادي: «قران حادي على الماء ترادي» «أي أن الإبل والمواشي تزدحم على القلبان والآبار كناية عن بداية الحر».
قران حادي على القليب ترادي، وقالوا أيضاً: قران حادي تسمع على الما منادي، «وهذا يوافق على وجه التقريب الثريا، أواخر مايو، أول القيظ».
وفي آخر يوم من هذا العام «2025»، سيقترن القمر، وعمره 11 يوماً، بنجوم الثريا، وبذلك يكون عندنا حسب الموروث الشعبي، بداية البرد، والعلم عند الله سبحانه وتعالى.